وإن أبيتَ عن ذلك، فلا محيصَ عن حملها - توفيقاً بينها وبين الإطلاقات - إمّا على ذلك، أو على الاستحباب، كما أشرنا إليه آنفاً (١)، هذا.

ثمّ إنّه لولا التوفيق بذلك لَلَزم التقييد أيضاً في أخبار المرجّحات، وهي آبية عنه، كيف يمكن تقييد مثل: « ما خالف قول ربّنا لم أقله » أو: « زخرف » أو « باطل » ؟ ! كما لا يخفى.

فتلخّص ممّا ذكرنا: أنّ إطلاقات التخيير محكَّمة، وليس في الأخبار ما يصلح لتقييدها.

أدلّة أُخرى على وجوب الترجيح والكلام فيها

نعم، قد استدلّ على تقييدها - ووجوبِ الترجيح في المتفاضلين - بوجوه أُخر:

منها: دعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين (٢).

وفيه: أنّ دعوى الإجماع - مع مصير مثل الكلينيّ إلى التخيير، وهو في عهد الغيبة الصغرى، ويخالط النوّاب والسفراء، قال في ديباجة الكافي:

« ولا نجد شيئاً أوسع ولا أحوط من التخيير » (٣) - مجازفةٌ.

__________________

(١) إذ قال في حديثه عن المقبولة: « لوجب حملها عليه، أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب ».

(٢) فرائد الأُصول ٤: ٤٨.

(٣) الكافي ١: ٩، لكنّ العبارة فيه هكذا: ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه‌السلام وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله عليه‌السلام: بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم.

قال في حقائق الأُصول ٢: ٥٧٠: لم ينقل الخلاف عنه ( الكليني قدس‌سره ) في الترجيح، وإنما المنقول عنه: السيّد الصدر من أصحابنا، والجبائيان من العامة، بل عبارته المحكية كالصريحة في وجوب الترجيح. قال: إعلم يا أخي أرشدك الله تعالى إنه لا يسع أحد تمييز شيء مما اختلفت الرواية فيه من العلماء برأيه إلّا ما أطلقه العالم عليه‌السلام بقوله: اعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف... ولا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه، ولا نجد شيئاً أحوط و... فإنّه أشار بصدر عبارته إلى مضمون المقبولة، فهو مفتٍ به، وأمّا قوله: ولا نجد... فلعلّه - بقرينة قوله: و « لا نعرف » - يريد به: أنّه حيث لا يمكن العلم غالباً بثبوت هذه المرجّحات يجب الرجوع إلى إطلاقات التخيير، ولا يجوز الأخذ بالظن. يلاحظ أيضاً كفاية الأُصول مع حاشية المشكيني ٥: ١٨٠، ونهاية الدراية ٦: ٣٢٤.

۳۷۶۱