ضرورةَ أنّه لو كان الاستصحاب هو نفس بناء العقلاء على البقاء، أو الظنّ به الناشئ من العلم بثبوته، لَما تقابل فيه الأقوال، ولَما كان النفي والإثبات واردين على موردٍ واحد، بل موردين (١).

وتعريفه بما ينطبق على بعضها (٢)، وإن كان ربما يوهم أن لا يكون هو الحكم بالبقاء، بل ذاك الوجه، إلّا أنّه حيث لم يكن بحدٍّ ولا رسم، بل من قبيل شرح الاسم - كما هو الحال في التعريفات غالباً - لم يكن له دلالةٌ على أنّه نفس الوجه، بل للإشارة إليه من هذا الوجه. ولذا لا وقْع للإشكال على ما ذكر في تعريفه بعدم الطرد أو العكس، فإنّه لم يكن به - إذا لم يكن بالحدّ أو الرسم - بأس.

فانقدح: أنّ ذكْرَ تعريفات القوم له - وما ذُكر فيها من الإشكال - بلا حاصل، وطولٌ (٣) بلا طائل.

الاستصحاب مسألة أُصوليّة

ثمّ لا يخفى: أنّ البحث في حجّيّته مسألة اصوليّة ؛ حيث يبحث فيها لتمهيد قاعدةٍ تقع في طريق استنباط الأحكام الفرعيّة. وليس مفادها حكمَ العمل بلا واسطة، وإن كان ينتهي إليه، كيف ؟ وربما لا يكون مجرى الاستصحاب إلّا حكماً اصوليّاً، كالحجّيّة مثلاً.

هذا لو كان الاستصحاب عبارةً عمّا ذكرنا.

__________________

(١) الظاهر: كونه عطفاً تفسيرياً لما سبقه، لا أمراً مغايراً، ولذا لم يذكر في أثناء مباحثته إلّا وجهاً واحداً، ولكنّ المناسب حينئذٍ التعبير هكذا: « بل موارد ثلاثة » ؛ لكون المقابل لوحدة الحقيقة هو كونه ذا معان ثلاثة ( كفاية الأُصول مع حاشية المشكيني ٣: ٣٧٧ ).

(٢) إشارة إلى تعريفي الفاضل التوني ( الوافية: ٢٠٠ ) والمحقّق القمي ( القوانين ٢: ٥٣ ) ؛ فإنّ ظاهرهما هو أنّ « الثبوت » أو « الحصول اليقيني » هو الملاك في حجيّة الاستصحاب.

(٣) في « ر »، حقائق الأُصول ومنتهى الدراية: وتطويلٌ.

۳۷۶۱