ومن هنا انقدح: أنّه لا وقْع للإيراد على تعريفاته بعدم الانعكاس أو الاطّراد، كما هو الحالُ في تعريف جُلِّ الأشياء - لولا الكلّ - ؛ ضرورةَ عدم الإحاطة بها بكُنهها، أو بخواصّها - الموجبةِ لامتيازها عمّا عداها - لغير علّام الغيوب، فافهم.
تعديل المصنّف لتعريف الاجتهاد
وكيف كان، فالأولى: تبديل « الظنّ بالحكم » ب « الحجّة عليه » ؛ فإنّ المناط فيه هو تحصيلها قوّةً أو فعلاً، لا الظنّ، حتّى عند العامّة القائلين بحجّيّته مطلقاً، أو بعض الخاصّة القائل بها عند انسداد باب العلم بالأحكام (١)، فإنّه مطلقاً عندهم، أو عند الانسداد عنده من أفراد الحجّة ؛ ولذا لا شبهة في كون استفراغ الوُسع في تحصيل غيره من أفرادها - من العلم بالحكم أو غيره، ممّا اعتبر من الطرق (٢) التعبّديّة غيرِ المفيدة للظنّ ولو نوعاً - اجتهاداً أيضاً.
لا وجه لإباء الأخباريّ عن الاجتهاد بهذا المعنى
ومنه قد انقدح: أنّه لا وجه لتأبّي الأخباريّ عن الاجتهاد بهذا المعنى، فإنّه لا محيصَ عنه، كما لا يخفى.
غاية الأمر، له أن ينازع في حجّيّة بعض ما يقولُ الأُصوليّ باعتباره، ويمنعَ عنها، وهو غير ضائر بالاتّفاق على صحّة الاجتهاد بذاك المعنى ؛ ضرورة أنّه ربما يقع بين الأخباريّين، كما وقع بينهم وبين الأُصوليّين.
__________________
(١) كالمحقّق القمّي في القوانين ١: ٤٤٠، والسيّد المجاهد في مفاتيح الأُصول: ٤٥٩.
(٢) الأولى: تبديله ب « الحجج » أو « الأدلّة » ؛ ضرورة عدم كون ما لا يفيد الظن - ولو نوعاً - طريقاً. ( منتهى الدراية ٨: ٣٧١ ).