للمكلّف نحوَ تركه، لو لم يكن له داعٍ آخر - ولا يكاد يكون ذلك إلّا في ما يمكن عادةً ابتلاؤه به، وأمّا ما لا ابتلاء به بحسبها، فليس للنهي عنه موقعٌ أصلاً (١) ؛ ضرورةَ أنّه بلا فائدة ولا طائل، بل يكون من قبيل طلب الحاصل - كان الابتلاء بجميع الأطراف ممّا لابدّ منه في تأثير العلم، فإنّه بدونه لا علم بتكليف فعليٍّ ؛ لاحتمال تعلّق الخطاب بما لا ابتلاء به.
الملاك في الابتلاء
ومنه قد انقدح: أنّ الملاك في الابتلاء المصحِّح لفعليّة الزجر، وانقداحِ طلب تركه في نفس المولى فعلاً، هو ما إذا صحّ انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد، مع اطّلاعه على ما هو عليه من الحال.
حكم الشك في الابتلاء
ولو شكّ في ذلك كان المرجع هو البراءة ؛ لعدم القطع بالاشتغال، لا إطلاقُ الخطاب (٢) ؛ ضرورةَ أنّه لا مجال للتشبّث به إلّا في ما إذا شكّ في التقييد بشيء (٣) بعد الفراغ عن صحّة الإطلاق بدونه، لا في ما شكّ في اعتباره في صحّته (٤)(٥) *، تأمّل لعلّك تعرف إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) أوّل من اعتبر هذا الشرط في خصوص التكاليف التحريمية هو الشيخ الأعظم قدسسره. انظر بحر الفوائد ٢: ١٠٢ وفرائد الأُصول ٢: ٢٣٣.
(٢) كما قد يظهر ذلك من الشيخ الأعظم في فرائد الأُصول ٢: ٢٣٨.
(٣) في الأصل: به.
(٤) في العبارة مسامحة واضحة، وحقّها أن يقال: « لا في ما شكّ في تحقّق ما يعتبر في صحّته » ؛ لأنّ الابتلاء لا شكّ في اعتباره، بل الشكّ في تحقّقه بعد القطع باعتباره في صحة الإطلاق ( كفاية الأُصول مع حاشية المشكيني ٤: ٢١١ )، وراجع منتهى الدراية ٦: ٨٧.
(٥)( * ) نعم، لو كان الإطلاق في مقامٍ يقتضي بيان التقييد بالابتلاء - لو لم يكن هناك ابتلاء مصحّح للتكليف - كان الإطلاق وعدم بيان التقييد دالّاً على فعليّته ووجود الابتلاء المصحّح لهما، كما لا يخفى، فافهم. ( منه قدسسره ).