وأُخرى: بأنّه كيف يكون التوفيق بذلك ؟ مع احتمال أحكامٍ فعليّة - بعثيّة أو زجريّة - في موارد الطرق والأُصول العمليّة المتكفّلة لأحكام فعليّة ؛ ضرورة أنّه كما لا يمكن القطع بثبوت المتنافيين، كذلك لا يمكن احتماله.

فلا يصحّ التوفيق بين الحكمين بالتزام كون الحكم الواقعيّ - الّذي يكون في مورد الطرق والأُصول العمليّة - إنشائيّاً (١) غيرَ فعليّ.

الإشارة إلى الوجه الخامس وما يرد عليه

كما لا يصحّ بأنّ الحكمين ليسا في مرتبة واحدة، بل في مرتبتين ؛ ضرورة تأخّر الحكم الظاهريّ عن الواقعيّ بمرتبتين (٢)، وذلك لا يكاد يُجدي ؛ فإنّ الظاهريّ وإن لم يكن في تمام مراتب الواقعيّ، إلّا أنّه يكون في مرتبته أيضاً، وعلى تقدير المنافاة لزم اجتماع المتنافيين في هذه المرتبة.

فتأمّل في ما ذكرنا من التحقيق في التوفيق، فإنّه دقيق وبالتأمّل حقيق.

٣ - الأصل في مشكوك الاعتبار هو عدم حجّيته جزماً

ثالثها: أنّ الأصل في ما لا يُعلم اعتباره بالخصوص شرعاً، ولا يُحرز التعبّد به واقعاً، عدَمُ حجّيّته جزماً، بمعنى عدم ترتّب الآثار المرغوبة من الحجّة عليه قطعاً ؛ فإنّها لا تكاد تترتّب إلّا على ما اتّصف بالحجّيّة فعلاً، ولا يكاد يكون الاتّصاف بها إلّا إذا أُحرز التعبّدُ به وجعلُه طريقاً متّبعاً ؛ ضرورة أنّه بدونه لا يصحّ المؤاخذة على مخالفة التكليف بمجرّد إصابته، ولا يكون عذراً لدى مخالفته مع عدمها، ولا يكون مخالفته تجرّياً، ولا يكون

__________________

(١) أثبتنا العبارة كما وردت في « ر ». وفي غيرها: الذي يكون مورد الطرق إنشائياً.

(٢) هذا هو الجمع المنقول عن السيّد محمد الإصفهاني قدس‌سره. ( كفاية الأُصول مع حاشية المشكيني ٣: ١٨٣ ). ويظهر أيضاً من كلمات الشيخ الأعظم في أوّل مبحث البراءة وأوّل مباحث التعادل والترجيح. انظر فرائد الأُصول ٢: ١١ و٤: ١١ - ١٢.

۳۷۶۱