وظهورُها في التبعيض وإن كان ممّا لا يكاد يخفى، إلّا أنّ كونه بحسب الأجزاء غيرُ واضح ؛ لاحتمال أن يكون بلحاظ الأفراد.

ولو سلّم، فلا محيص عن أنّه هاهنا بهذا اللحاظ يرادُ ؛ حيث ورد جواباً عن السؤال عن تكرار الحجّ بعد أمره به. فقد روي أنّه خطبَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، فقال: « إنّ الله كتبَ عليكم الحجَّ »، فقام عكاشه - ويُروى سُراقة بن مالك - فقال: أفي (١) كلّ عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه، حتّى أعادَ مرّتين أو ثلاثاً، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله: « ويحَكَ ! وما يؤمنُك أن أقول: نعم ؟ وَالله لو قلتُ: نعم، لوَجَبَ، ولو وجَب ما استطعتم، ولو تركتُم لكفَرتُم، فاترُكوني ما تُركتم (٢)، وإنّما هلك من كان قبلَكم بِكَثرة سؤالهم واختلافِهم إلى أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتُوا منه ما استطعتُم، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتَنِبوه » (٣).

الإشكال في دلالة الرواية الثانية

ومن ذلك ظهر الإشكال في دلالة الثاني أيضاً، حيث لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الأجزاء بمعسورها ؛ لاحتمال إرادة عدم سقوط الميسور من أفراد العامّ بالمعسور منها، هذا.

مضافاً إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوماً ؛ لعدم اختصاصه بالواجب. ولا مجال معه لتوهّم دلالته على أنّه بنحو اللزوم، إلّا أن يكون المرادُ عدمَ سقوطه بما له من الحكم - وجوباً كان أو ندباً - بسبب سقوطه عن المعسور، بأن يكون قضيّة الميسور كنايةً عن عدم سقوطه بحكمه ؛ حيث إنّ الظاهر من مثله هو ذلك - كما أنّ الظاهر من مثل « لا ضَرَرَ ولا ضِرار » هو نفي ما لَه من تكليف أو وضع -، لا أنّها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه، وبقائه

__________________

(١) كذا في الأصل و « ر »، وفي غيرهما: فقال: في....

(٢) في هامش « ق »: ما تركتكم ظ.

(٣) راجع مجمع البيان ٣: ٢٥٠.

۳۷۶۱