فلا محيصَ من ملاحظة الراجح من المرجِّحين بحسب أحد المناطين، أو من دلالة أخبار العلاج على الترجيح بينهما مع المزاحمة، ومع عدم الدلالة - ولو لعدم التعرّض لهذه الصورة - فالمحكّم هو إطلاق التخيير، فلا تغفل.
إيراد المحقّق الرشتيّ على الشيخ الأنصاريّ
وقد أورد بعض أعاظم تلاميذه (١) عليه: بانتقاضه بالمتكافئين من حيث الصدور ؛ فإنّه لو لم يعقل التعبّد بصدور المتخالفين من حيث الصدور، مع حمل أحدهما على التقيّة، لم يعقل التعبّد بصدورهما مع حمل أحدهما عليها ؛ لأنّه إلغاء لأحدهما أيضاً في الحقيقة.
دفع الإيراد
وفيه ما لا يخفى من الغفلة وحِسبانِ أنّه قدسسره التزم في مورد الترجيح بحسب الجهة، باعتبار تساويهما من حيث الصدور، إمّا للعلم بصدورهما، وإمّا للتعبّد به فعلاً، مع بداهة أنّ غرضه من التساوي من حيث الصدور تعبّداً:
تساويهما بحسب دليل التعبّد بالصدور قطعاً ؛ ضرورةَ أنّ دليل حجّيّة الخبر لا يقتضي التعبّد فعلاً بالمتعارضين، بل ولا بأحدهما، وقضيّةُ دليل العلاج ليس إلّا التعبّد بأحدهما تخييراً أو ترجيحاً.
برهان المحقّق الرشتيّ على امتناع تقديم المرجّح الصدوريّ على الجهتيّ
والعجب كلّ العجب أنّه رحمهالله لم يكتفِ بما أورده من النقض، حتّى ادّعى استحالةَ تقديم الترجيح بغير هذا المرجّح على الترجيح به، وبَرهَن عليه بما حاصله: امتناعُ التعبّد بصدور الموافق ؛ لدوران أمره بين عدم صدوره من أصله، وبين صدوره تقيّةً، ولا يعقل التعبّد به على التقديرين بداهةً، كما أنّه لا يعقل التعبّد بالقطعيّ الصدور الموافق، بل الأمرُ في الظنّيّ الصدور أهون ؛ لاحتمال عدم صدوره، بخلافه.
__________________
(١) هو المحقّق الرشتيّ فى بدائع الأفكار: ٤٥٧.