وأمّا بالنسبة إلى العلميّ: فالظاهر أنّها غير ثابتة ؛ لما عرفت من نهوض الأدلّة على حجّيّة خبرٍ يوثق بصدقه، وهو - بحمد الله - وافٍ بمعظم الفقه، لا سيّما بضميمة ما عُلم تفصيلاً منها، كما لا يخفى.
٣ - المقدّمة الثالثة - وهي عدم جواز الإهمال - قطعيّة
وأمّا الثالثة: فهي قطعيّة، ولو لم نقل بكون العلم الإجماليّ منجِّزاً مطلقاً، أو في ما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه، كما في المقام، حسب ما يأتي (١) ؛ وذلك لأنّ إهمال معظم الأحكام، وعدمَ الاجتناب كثيراً عن الحرام، ممّا يقطع بأنّه مرغوب عنه شرعاً، وممّا يلزم تركه إجماعاً.
إن قلت: إذا لم يكن العلمُ بها منجِّزاً لها ؛ - للزوم الاقتحام في بعض الأطراف، كما أُشير إليه - فهل كان العقاب على المخالفة في سائر الأطراف حينئذٍ - على تقدير المصادفة - إلّا عقاباً بلا بيان، والمؤاخذةُ عليها إلّا مؤاخذةً بلا برهان ؟
قلت: هذا إنّما يلزم لو لم يُعلم بإيجاب الاحتياط، وقد عُلم به بنحو اللمّ ؛ حيث عُلم اهتمام الشارع بمراعاة تكاليفه، بحيث ينافيه عدمُ إيجابه الاحتياطَ الموجَب للزوم المراعاة، ولوكان بالالتزام ببعض المحتملات.
مع صحّة دعوى الإجماع على عدم جواز الإهمال في هذا الحال، وأنّه مرغوب عنه شرعاً قطعاً (٢)، فلا تكون المؤاخذة والعقاب حينئذٍ بلا بيان وبلا برهان، كما حقّقناه في البحث وغيره.
__________________
(١) في نهاية المقام الأوّل من مبحث الاشتغال، حيث قال في الصفحة: ١٦٦: ومنه ظهر أنه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالاً... لما وجب موافقته، بل جاز مخالفته.
(٢) أثبتنا العبارة كما وردت في « ن »، « ق »، حقائق الأُصول ومنتهى الدراية. وفي الأصل وبعض طبعاته توجد هنا هذه الزيادة: « وأما مع استكشافه ». يراجع منتهى الدراية ٤: ٥٨٦.