[ أحكام القطع وأقسامه ]
وكيف كان، فبيان أحكام القطع وأقسامه يستدعي رسم أُمور:
الأمر الأوّل: [ لزوم العمل بالقطع عقلاً ]
لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلاً، ولزومِ الحركة على طبقه جزماً، وكونِه موجباً لتنجّز التكليف الفعليّ في ما أصاب، باستحقاق (١) الذمّ والعقاب على مخالفته، وعذراً في ما أخطأ قصوراً. وتأثيره في ذلك لازمٌ، وصريحُ الوجدان به شاهدٌ وحاكمٌ، فلا حاجة إلى مزيد بيانٍ وإقامة برهان.
الحجّية ذاتيّة للقطع
ولا يخفى: أنّ ذلك لا يكون بجعل جاعلٍ ؛ لعدم جعلٍ تأليفيّ حقيقةً بين الشيء ولوازمه، بل عَرَضاً بتبع جعله بسيطاً.
وبذلك انقدح امتناع المنع عن تأثيره أيضاً، مع أنّه يلزم منه اجتماع الضدّين اعتقاداً مطلقاً، وحقيقةً في صورة الإصابة، كما لا يخفى.
اختصاص حجّية القطع بما إذا تعلّق بالحكم الفعلي
ثمّ لا يذهب عليك: أنّ التكليف ما لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لم يصِر فعليّاً، وما لم يصِر فعليّاً لم يكد يبلغ مرتبة التنجّز واستحقاقِ العقوبة على المخالفة، وإن كان ربما يوجب موافقتُهُ استحقاقَ المثوبة ؛ وذلك لأنّ الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة لم يكن حقيقةً بأمر ولا نهي، ولا مخالفتهُ عن عمدٍ بعصيان، بل كان ممّا سكت الله عنه، كما في الخبر (٢)، فلاحظ وتدبّر.
__________________
(١) ظاهر العبارة: أنّ تنجّز التكليف معلول لاستحقاق الذمّ والعقاب، مع أنّه ليس كذلك... فحقّ العبارة أن تكون هكذا: « وكونه موجباً لتنجّز التكليف... ولحكم العقل باستحقاق... ». ( منتهى الدراية ٤: ٢٤ - ٢٥ ).
(٢) وسائل الشيعة ٢٧: ١٧٥، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي، الحديث ٦٨.