ثمّ قال: « فاحتمال تقديم المرجّحات السنديّة على مخالفة العامّة، - مع نصّ الإمام عليهالسلام على طرح ما يوافقهم (١) -، من العجائب والغرائب الّتي لم يُعهد صدورها من ذي مُسْكة، فضلاً عمّن هو تالي العصمة علماً وعملاً ». ثمّ قال:
« وليت شعري أنّ هذه الغفلة الواضحة كيف صدرت منه ؟ مع أنّه في جودة النظر يأتي بما يقرب من شقّ القمر » (٢).
المناقشة في البرهان المذكور
وأنت خبير بوضوح فساد برهانه ؛ ضرورة عدم دوران أمر الموافق بين الصدور تقيّةً، وعدم الصدور رأساً ؛ لاحتمال صدوره لبيان حكم الله واقعاً، وعدمِ صدور المخالف المعارض له أصلاً، ولا يكاد يحتاجُ في التعبّد إلى أزيد من احتمال صدور الخبر لبيان ذلك بداهةً.
وإنّما دار احتمال الموافق بين الاثنين، إذا كان المخالف قطعيّاً صدوراً وجهةً ودلالةً ؛ ضرورةَ دوران معارضه حينئذٍ بين عدم صدوره وصدوره تقيّةً، وفي غير هذه الصورة كان دوران أمره بين الثلاثة لا محالة ؛ لاحتمال صدوره لبيان الحكم الواقعيّ حينئذٍ أيضاً.
ومنه قد انقدح إمكانُ التعبّد بصدور الموافق القطعيّ لبيان الحكم الواقعيّ أيضاً، وإنّما لم يمكن التعبّد بصدوره لذلك إذا كان معارضه المخالف قطعيّاً بحسب السند والدلالة (٣)، لتعيّن (٤) حمله على التقيّة حينئذٍ لا محالة.
__________________
(١) أثبتنا الكلمة كما وردت في المصدر، وفي الأصل وطبعاته: موافقهم.
(٢) بدائع الأفكار: ٤٥٧.
(٣) الأولى: إضافة الجهة إلى الدلالة أيضاً - كما ذكرها في فقرة سابقة - ؛ إذ مع ظنّية الجهة لا يتعيّن حمل الموافق على التقية. انظر منتهى الدراية ٨: ٣٣١.
(٤) أثبتنا الكلمة كما وردت في الأصل و « ر »، وفي غيرهما: لتعيين.