المناقشة في هذا الترجيح
وفيه: أنّ عدم البيان - الّذي هو جزء المقتضي في مقدّمات الحكمة - إنّما هو عدم البيان في مقام التخاطب، لا إلى الأبد.
وأغلبيّةُ التقييد مع كثرة التخصيص - بمثابة قد قيل: « ما من عامّ إلّا وقد خصّ » - غيرُ مفيد (١) ؛ فلا بدّ في كلّ قضيّة من ملاحظة خصوصيّاتها الموجبة لأظهريّة أحدهما من الآخر، فتدبّر.
٢ - ترجيح التخصيص على النسخ
ومنها: ما قيل (٢) في ما إذا دار بين التخصيص والنسخ - كما إذا ورد عامّ بعدَ حضور وقت العمل بالخاصّ، حيث يدور بين أن يكون الخاصّ مخصِّصاً، أو يكون العامّ ناسخاً ؛ أو ورد الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ، حيث يدور بين أن يكون الخاصّ مخصِّصاً للعامّ، أو ناسخاً له ورافعاً لاستمراره ودوامه - في وجه تقديم التخصيص على النسخ من: غلبة التخصيص وندرة النسخ.
الإشكال على الترجيح المذكور
ولا يخفى: أنّ دلالة الخاصّ أو العامّ على الاستمرار والدوام إنّما هو بالإطلاق، لا بالوضع، فعلى الوجه العقليّ في تقديم التقييد على التخصيص، كان اللازم في هذا الدوران تقديم النسخ على التخصيص أيضاً.
وأنّ غلبة التخصيص إنّما توجب أقوائيّةَ ظهور الكلام في الاستمرار والدوام من ظهور العامّ في العموم، إذا كانت مرتكزةً في أذهان أهل المحاورة، بمثابةٍ تُعدُّ من القرائن المكتنفة بالكلام، وإلّا فهي وإن كانت مفيدةً للظنّ بالتخصيص، إلّا أنّها غير موجبة لها (٣)، كما لا يخفى.
__________________
(١) خبر « وأغلبيّة »... والأولى أن يقال: غير مفيدة. ( منتهى الدراية ٨: ٢٥٤ ).
(٢) قاله الشيخ الأنصاري في فرائده ٤: ٩٣ - ٩٤.
(٣) لكنّ المصنّف أفاد في مبحث العام والخاص، تقديم التخصيص على النسخ بقوله: « إلّا أنّ الأظهر كونه مخصِّصاً، ولو في ما كان ظهور العامّ في عموم الأفراد أقوى من ظهور الخاصّ في الخصوص ؛ لما اشير إليه من تعارف التخصيص وشيوعه وندرة النسخ جدّاً في الأحكام ». راجع الجزء الأول، الصفحة: ٣٢٩ - ٣٣٠.