الوجوه المحتملة في معنى التصويب ومناقشتها

فلو كان غرضهم من التصويب هو: الالتزام بإنشاء أحكامٍ في الواقع بعدد الآراء - بأن تكون الأحكام المؤدّي (١) إليها الاجتهاداتُ أحكاماً واقعيّة، كما هي ظاهريّة - فهو وإن كان خطأً من جهة تواتر الأخبار، وإجماعِ أصحابنا الأخيار على أنّ له - تبارك وتعالى - في كلّ واقعة حكماً يشترك فيه الكلّ، إلّا أنّه غير محال.

ولو كان غرضهم منه: الالتزامَ بإنشاء الأحكام على وِفق آراء الأعلام بعد الاجتهاد، فهو ممّا لايكاد يعقل، فكيف يتفحّص عمّا لا يكون له عين ولا أثر ؟ أو يُستظهر من الآية أو الخبر ؟

إلّا أن يراد: التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعليّ، وأنّ المجتهد وإن كان يتفحّص عمّا هو الحكم واقعاً وإنشاءً، إلّا أنّ ما أدّى إليه اجتهاده يكون هو حكمه الفعليّ حقيقةً، وهو ممّا يختلف باختلاف الآراء ضرورةً، ولا يشترك فيه الجاهل والعالم بداهةً، وما يشتركان فيه ليس بحكم حقيقةً، بل إنشاءً، فلا استحالة في التصويب بهذا المعنى، بل لا محيصَ عنه في الجملة، بناءً على اعتبار الأخبار من باب السببيّة والموضوعيّة، كما لا يخفى. وربما يشير إليه ما اشتهر بيننا: أنّ ظنّيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم.

نعم، بناءً على اعتبارها من باب الطريقيّة - كما هو كذلك - فمؤدّيات الطرق والأمارات المعتبرة ليست بأحكام حقيقيّة نفسيّة، ولو قيل بكونها أحكاماً طريقيّة (٢).

__________________

(١) الأولى: المؤدّية. ( منتهى الدراية ٨: ٤٥١ ).

(٢) بناءً على المصلحة السلوكيّة التي قال بها الشيخ الأعظم في مبحث حجّية الأمارات. راجع فرائد الأُصول ١: ١١٤ - ١١٦.

۳۷۶۱