الجواب الثالث والإيراد عليه

وما قيل (١) في دفعه: من كون المراد بالاحتياط في العبادات، هو مجرّد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات، عدا نيّة القربة.

ففيه (٢): - مضافاً إلى عدم مساعدة دليل حينئذٍ على حسنه بهذا المعنى فيها ؛ بداهة أنّه ليس باحتياط حقيقةً، بل هو أمرٌ لو دلّ عليه دليلٌ كان مطلوباً مولويّاً نفسيّاً عباديّاً، والعقلُ لا يستقلّ إلّا بحسن الاحتياط، والنقل لا يكاد يرشد إلّا إليه. نعم، لو كان هناك دليلٌ على الترغيب في الاحتياط في خصوص العبادة، لَما كان محيصٌ عن دلالته اقتضاءً على أنّ المراد به ذاك المعنى، بناءً على عدم إمكانه فيها بمعناه حقيقةً، كما لا يخفى - أنّه التزامٌ بالإشكال وعدمِ جريانه فيها، وهو كما ترى.

الجواب الرابع عن الإشكال (جواب المصنف)

قلت: لا يخفى أنّ منشأ الإشكال هو تخيّل كون القربة المعتبرة في العبادة مثلَ سائر الشروط المعتبرة فيها، ممّا يتعلّق بها الأمر المتعلّق بها، فيشكل جريانه حينئذٍ ؛ لعدم التمكّن من قصد القربة المعتبر فيها (٣)، وقد عرفت (٤) أنّه فاسد(*)، وإنّما اعتبر قصد القربة فيها عقلاً، لأجل أنّ الغرض منها لا يكاد يحصل بدونه.

__________________

(١) أفاده الشيخ في فرائده ٢: ١٥٣.

(٢) أثبتناها من « ر » ومنتهى الدراية، وفي غيرهما: فيه.

(٣) في الأصل و « ش »: « لعدم التمكّن من جميع ما اعتبر فيها ». وفي مصحّح « ن » وسائر الطبعات مثل ما أثبتناه.

(٤) في المقدّمة الثانية من مبحث التعبّدي والتوصّلي. راجع الجزء الأوّل، الصفحة: ١٠٥.

(*) هذا. مع أنّه لو أُغمض عن فساده لما كان في الاحتياط في العبادات إشكالٌ غير الإشكال فيها. فكما يلتزم في دفعه بتعدّد الأمر فيها، ليتعلّق أحدهما بنفس الفعل، والآخر بإتيانه بداعي أمره، كذلك في ما احتمل وجوبه منها، فكان فيه على هذا ١) احتمال أمرين كذلك، أي: أحدهما كان متعلّقاً بنفسه، والآخر بإتيانه بداعي ذاك الأمر، فيتمكّن من الاحتياط فيها بإتيان ما احتمل وجوبه بداعي رجاء أمره واحتماله، فيقع عبادة وإطاعة لو كان واجباً، وانقياداً لو لم يكن كذلك نعم، كان بين الاحتياط هاهنا وفي التوصّليّات فرق، وهو: أنّ المأتيّ به فيها قطعاً كان موافقاً لما احتمل وجوبه مطلقاً، بخلافه هاهنا، فإنّه لا يوافق إلّا على تقدير وجوبه واقعاً ؛ لما عرفت من عدم كونه عبادة إلّا على هذا التقدير، ولكنّه ليس بفارق ؛ لكونه عبادة على تقدير الحاجة إليه وكونه واجباً. ودعوى عدم كفاية الإتيان برجاء الأمر في صيرورته عبادة أصلاً - ولو على هذا التقدير - مجازفة ؛ ضرورة استقلال العقل بكونه امتثالاً لأمره على نحو العبادة لو كان، وهو الحاكم في باب الإطاعة والعصيان، فتأمّل جيّداً. ( منه قدس‌سره ).

__________________

١) أثبتنا الجملة كما وردت في « ق » و « ر »، وفي غيرهما: كان على هذا.

۳۷۶۱