لو خالفه، إلّا أنّها ليست بضرر على كلّ حال ؛ ضرورة أنّ كلّ ما يوجب قبحَ الفعل من المفاسد، لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله، بل ربما يوجب حزازةً ومنقصةً في الفعل، بحيث يُذمّ عليه فاعلُه بلا ضررٍ عليه أصلاً، كما لا يخفى.
وأمّا تفويت المصلحة: فلا شبهة في أنّه ليس فيه مضرّةٌ، بل ربما يكون في استيفائها المضرّة، كما في الإحسان بالمال، هذا.
مع منع كون الأحكام تابعةً للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهيّ عنها (١)، بل إنّما هي تابعة لمصالحَ فيها (٢)، كما حقّقناه في بعض فوائدنا (٣).
وبالجملة (٤): ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة - اللّتان في الأفعال، وانيط بهما الأحكام - بمضرّة. وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة، أو حُسْن ما فيه المصلحة من الأفعال - على القول باستقلاله بذلك - هو كونه ذا ضررٍ واردٍ على فاعله، أو نفعٍ عائدٍ إليه.
__________________
(١) كذا في الأصل وطبعاته، والأولى: المأمور به والمنهيّ عنه.
(٢) فيه مسامحة واضحة ؛ إذ ظاهر العبارة تُوهم كون الأحكام دائماً كذلك، وهو كما ترى. ( كفاية الأُصول مع حاشية المشكيني ٣: ٣٧٤ ).
(٣) لا يخفى: أنّ الذي حقّقه في بعض فوائده... هو كونها ( الأحكام ) تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها. ( حقائق الأُصول ٢: ١٥٣ )، وراجع الفوائد ( للمصنف ): ٣٣٠ فائدة في الملازمة بين الأحكام الشرعية والعقلية. نعم، يوجد له - في حاشيته على الفرائد: ٧٦ - جواب قريب عمّا ذكره هنا. يلاحظ أيضاً منتهى الدراية ٤: ٥٦٥.
(٤) هذا حاصل ما ذكره في قوله: وأمّا المفسدة... فكان المناسب بيانه قبل قوله: مع منع كون... انظر منتهى الدراية ٤: ٥٦٧ وكفاية الأُصول مع حاشية المشكيني ٣: ٣٧٤.