مضافاً إلى وَهْن دليلها بكثرة تخصيصه، حتّى صار العمل به في موردٍ محتاجاً إلى الجبر بعمل المعظم - كما قيل (١) - وقوّةِ دليله بقلّة تخصيصه بخصوص دليل.
لا يقال: كيف يجوز تخصيص دليلها بدليله ؟ وقد كان دليلها رافعاً لموضوع دليله، لا لحكمه، وموجباً لكون نقض اليقين باليقين بالحجّة على خلافه، كما هو الحال بينه وبين أدلّة سائر الأمارات، فيكون - هاهنا أيضاً - من دوران الأمر بين التخصيص - بلا وجهٍ غيرِ دائر - والتخصّص.
فإنّه يقال: ليس الأمر كذلك ؛ فإنّ المشكوك ممّا كانت له حالة سابقة، وإن كان من « المشكل » و « المجهول » و « المشتبه » بعنوانه الواقعيّ، إلّا أنّه ليس منها بعنوان ما طرأ عليه من نقض اليقين بالشكّ، والظاهرُ من دليل القرعة أن يكون منها بقول مطلق، لا في الجملة، فدليلُ الاستصحاب الدالّ على حرمة النقض - الصادق عليه حقيقةً -، رافعٌ لموضوعه أيضاً، فافهم.
فلا بأسَ برفع اليد عن دليلها عند دوران الأمر بينه وبين رفع اليد عن دليله ؛ لوهن عمومها (٢) وقوّة عمومه، كما أشرنا إليه آنفاً.
والحمد لله أوّلاً وآخراً، وصلّى الله على محمّد وآله باطناً وظاهراً.
__________________
(١) في الفصول: ٣٦٢، وفرائد الأُصول ٣: ٣٨٦.
(٢) لا مناسبة بين التعليل والمعلَّل، بل لابدّ من التعليل برافعيّة دليل الاستصحاب لموضوع دليل القرعة. راجع منتهى الدراية ٧: ٨١٧.