وأمّا البراءة النقليّة: فقضيّة إطلاق أدلّتها، وإن كان هو عدم اعتبار الفحص في جريانها، كما هو حالها في الشبهات الموضوعيّة، إلّا أنّه استُدِلّ على اعتباره بالإجماع، وبالعقل (١)، فإنّه لا مجالَ لها بدونه ؛ حيث يعلم إجمالاً بثبوت التكليف بين موارد الشبهات، بحيث لو تفحّص عنه لظَفَرَ به.

ولا يخفى: أنّ الإجماع هاهنا غير حاصل، ونَقْلُه - لوَهْنه - بلا طائل ؛ فإنّ (٢) تحصيله في مثل هذه المسألة - ممّا للعقل إليه سبيلٌ - صعبٌ، لو لم يكن عادةً بمستحيل ؛ لقوّة احتمال أن يكون المستند للجلّ - لولا الكلّ - هو ما ذكر من حكم العقل.

وأنّ الكلام في البراءة في ما لم يكن هناك علم موجب للتنجّز، إمّا لانحلال العلم الإجماليّ بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال، أو لعدم الابتلاء إلّا بما لا يكون بينها علم بالتكليف من موارد الشبهات، ولو لعدم الالتفات إليها.

فالأولى الاستدلال للوجوب بما دلّ من الآيات والأخبار على وجوب التفقّه والتعلّم، والمؤاخذةِ على ترك التعلّم - في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم - بقوله تعالى، - كما في الخبر -: « هلّا تعلّمت » (٣). فيُقيّد بها أخبارُ

__________________

(١) راجع فرائد الأُصول ٢: ٤١٢ - ٤١٣.

(٢) الأنسب: ذكر هذا التعليل متصلاً بقوله: « غير حاصل ». ( منتهى الدراية ٦: ٣٩١ ).

(٣) إشارة إلى ما ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى: « فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ». الأنعام: ١٤٩. إذ سئل عن الآية فقال: « إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالماً ؟ فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت ؟ وإن قال: كنت جاهلاً، قال له: أفلا تعلّمت حتّى تعمل، فيخصمه، فتلك الحجّة البالغة ». الأمالي ( للشيخ الطوسي ): ٩.

۳۷۶۱