الطهارة المستمرة بحسب لسان الدليل ، فالتعبد هنا بنفس حيثية الاستمرار دون مورد الامارة.
والتحقيق : إن مجرد الفراغ عن طهارة الماء - لكونه مخلوقا على الطهارة - لا يوجب كون التعبد بالطهارة وابقائها بعين هذا التعبد تعبدا إستصحابيّا.
بل التعبد الاستصحابي هو الابقاء استنادا الى ثبوته سابقا ، لا الابقاء في مورد الثبوت سابقا ، فالرواية من حيث غايتها ، وإن كانت تفارق قيام البينة ، من حيث أن مفادها الابقاء إلى حصول الغاية ، إلا أنه ليس كل ابقاء استصحابا ، فتدبره فانه حقيق به.
وأما الاحتمال السادس - وهو أن يكون مفاد الرواية جعل الحكم الواقعي فقط ، كما يوافقه ما سلكه صاحب الحدائق (ره) (١) من تقوّم النجاسة بالعلم ، فمع عدمه يكون طاهرا حقيقة.
فتقريبه : إن الاعيان الخارجية مختلفة ، فبعضها ما يكون فيه خصوصية ذاتية أو عرضية مقتضية للتنفر ، وبعضها لا يكون كذلك. وحصول التنفر بالفعل - وهو التقذر بالفعل - منوط وجدانا بالاطلاع على تلك الخصوصية ، ولو باعلام الشارع ، فالدليل على النجاسة شرعا شأنه الكشف عن خصوصية منفرة اقتضاء ، وفعلية النجاسة بالعلم الموجب للتقذر بالفعل.
وينطبق على هذا التقريب موثقة عمار حيث قال عليه السلام ( كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر ، فاذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك ) (٢) .
فانه عليه السلام رتب القذارة الفعلية على العلم بأنه قذر أي ما هو موجب له ومقتض له ، وإلا فالعلم بالقذارة الفعلية الواقعية لا يعقل أن ينوط به القذارة الفعلية الواقعية ، أو يرتب الفعلية منها على العلم بالفعلية منها.
وليست النجاسة بناء على المشهور من مقولة الأحكام والتكاليف ، حتى يمكن فرض الواقعية الانشائية والبعثية الفعلية فيها ، فلا مناص إلا بفرض الاقتضاء والفعلية فيها.
لكن هذا الاحتمال مخالف لظواهر أدلة النجاسات ، فان ظاهرها ترتب حقيقة النجاسة - الظاهرة في فعليتها ، لا في اقتضائها - على الموضوعات بذواتها ، لا بما هي
__________________
(١) الحدائق ١٣٦ : ٢.
(٢) قد مرّانفا.