الثاني ، إلا أن هذا لازم أعم للحكم الظاهري على طبق الامارة ، أو على وفق الأصل ، وإنما الفارق بأخذ الشك في موضوعه وعدمه.
فعلم أن التعريف بالابقاء لا يخلو عن المحذور على أي حال.
وأما سائر تعاريف الأصحاب للاستصحاب فغير خالية عن المحذور أيضا ، فمنها ما عن الفاضل التوني (ره) : من أنه التمسك بثبوت ما ثبت في وقت ، أو حال على بقائه... الخ (١) .
وظاهره جعل الثبوت في السابق حجة ، ودليلا على ثبوته في اللاحق ، لا الابقاء تعويلا على ثبوته ، فلا يوافق التعريف المعروف من القوم ، كما لا يناسب مشتقات الاستصحاب ، كما أفاده شيخنا الاستاذ (٢) فانه إنما يناسب ذلك إذا قيل : إنه التمسك بما ثبت ، فانه بمعنى إبقائه ، وعدم الانفكاك عنه عملا ، لا التمسك بثبوته ، فانه بمعنى الاعتماد على ثبوته في ابقائه عملا.
وغاية ما يمكن أن يوجه به التعريف المزبور ، إنه من باب التعريف بالعلة - المسمى بمبدأ البرهان - في قبال التحديد بالمعلول - المسمى بنتيجة البرهان - والتحديد بهما معا - المسمى بالحد التام الكامل - كتعريف الغضب بارادة الانتقام على الأول ، وبغليان دم القلب على الثاني ، وبغليان دم القلب لارادة الانتقام على الثالث.
ومنه يعلم أن تعريف الاستصحاب : ( بإثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأول ) ، من القسم الثالث ، وهو الحد التام.
وتعريفه ( بأبقاء ما كان ) فقط من قبيل الثاني.
وتعريفه ( بكون الشيء متيقن الحصول في الزمان الأول ) من قبيل الأول ، لا أنه بيان لمورد الاستصحاب ، بل هو أولى - في دخوله في مبدأ البرهان - من تعريف الفاضل التوني (ره) .
لأنه في الحقيقة ليس تعريفا للاستصحاب بعلّته - وهو ثبوته في الزمان الأول - بل تعريف له بالاستدلال بعلّته ، الراجع الى معلولية الابقاء لثبوته.
__________________
(١) الرسائل : ٣١٩ « عند تعريف الأستصحاب » .
(٢) قال « قده » في تعليقته على الرسائل : ١٧٢ : فان الاستصحاب ، سواء جعل نفس الظن بالبقاء... كان به التمسك الا نفسه ، وإن كان لفظه بمشتقاته إنما يناسب ذلك.