بالطهارة منه لثبوته سابقا.
وإن اريد الثاني ، فمن البين أن قوله عليه السلام ( طاهر ) إما جعل طهارة مستمرة ، وإما حكاية عن استمرار الطهارة ، وليس فيه دلالة بوجه على الأمر بابقاء الطهارة عملا ليكون دليلا على الاستصحاب.
ويمكن أن يقال : في الفرق بين موثقة عمار ( كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر ) (١) ورواية حماد ( الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر ) إن الماء مخلوق على الطهارة ، فالنجاسة فيه عرضية ، وليس كل شيء كذلك.
فالطهارة المستمرة المترتبة على كل شيء طهارة مستمرة من حين التعبد بها إلى أن يزول الموضوع بتبدل الشك بالعلم ، والطهارة المستمرة المترتبة على الماء بعد فرض طهارته في نفسه طهارة مستمرة من حين ثبوتها الواقعي عنوانا.
وحينئذ نقول : حيث أن الماء طاهر بالأصل ، فاذا جعل الشارع طهارته الواقعية مستمرة عنوانا تعبدا ، فالاستمرار متعلق بالطهارة الواقعية عنوانا ، فهو ابقاء من الشارع للطهارة الواقعية ، وهو عين الاستصحاب.
بخلاف الطهارة في قاعدة الطهارة ، فان الاستمرار المتعلق بها استمرار متعلق بالطهارة الظاهرية ، دون الواقعية ولو عنوانا ، فاعمية القاعدة من حيث شمولها موردا - لما إذا كان مسبوقا بالطهارة - لا تجدي هنا ؛ لأن حيثية استمرار الطهارة متعلقة بالطهارة الواقعية - التي هي للماء - غاية الأمر عنوانا لا حقيقة ، فلا يمكن حملها مع هذا الفرض على قاعدة الطهارة بدعوى أعميتها من حيث المورد.
لا يقال : التعبد بالطهارة العنوانية المستمرة ، وإن لم يكن مفاد قاعدة الطهارة ، لكنه لا يختص بالاستصحاب ؛ إذ التعبد بالطهارة في مورد قيام البينة - إذا كانت الطهارة مشكوكة فعلا ، ومتيقنة سابقا - تعبد بالواقع عنوانا ، وحيث أنه جعل للطهارة عنوانا بعد جعلها سابقا حقيقة ، يكون ابقاء من الشارع للطهارة الواقعية ، فليس كل إبقاء استصحابا.
لأنا نقول : نعم يشترك التعبد في الامارة ، مع التعبد في الاستصحاب فيما ذكر ، إلا أن ابقاء الشارع للحكم في ثاني الحال في باب الامارة انتزاع من سبق التعبد بالواقع.
وإلا فالتعبد فيها بنفس الواقع فعلا ، بخلاف ما نحن فيه ، فان المفروض أنه جعل
__________________
(١) الوسائل : ج ٢ : الباب ٣٧ من ابواب النجاسات : ص ١٠٥٤ : الحديث ٤.