وإما التنافي ثبوتا وفي الدلالة ، لا الدليلية الحجية ، فجميع موارد الجمع المقبول وغيرها داخل في مورد البحث ، غاية الأمر لكل منها حكم خاص عرفا ، ويتفاوت الأمر بتفاوت الغرض المهم للباحث عن التعارض ، وقد مرّ من المصنف (قدس سره) (١) ان صور النص والظاهر ، والأظهر والظاهر ، واشباهها خارجة عن مورد التعارض. وعليه ففي مورد التعارض لا جمع ، وفي مورد الجمع لا تعارض.
والتعارض بهذا المعنى هو المناسب للأخبار العلاجية ، المسؤل فيها عن حكم الخبرين المتعارضين ، فان المفروض فيها تحير السائل ، مع أنه لا تحير للعرف في موارد الجمع العرفي المقبول.
كما أن المناسب لمورد قاعدة ( إن الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح ) هو التعارض بالمعنى الأعم ، فانه المقسم لما يمكن فيه الجمع ، وما لا يمكن فيه لجمع.
وعلى أي حال ، فالكلام فيما يمكن فيه الجمع ، وما لا يمكن فيه الجمع يتضح ببيان صور المتعارضين :
فمنها - ما مر : من كون أحدهما نصا ، أو أظهر بقول مطلق ، والآخر ظاهرا بقول مطلق ، وقد مرّ الكلام فيه وبينا هناك (٢) ورودهما تارة ، وحكومتهما أخرى ، على الظاهر الذي يكون في قبالهما.
ومنها - ما اذا كان النص والظاهر ، أو الأظهر والظاهر اضافيين ، كما إذا ورد ( لا تفعل ) وورد ( إنه جائز ) ، فان صيغة ( لا تفعل ) نص في طلب الترك ، وظاهر في الحرمة ، وقوله ( جائز ) نص في الجواز المطلق ، وظاهر في الاباحة الخاصة ، فيرفع اليد عن ظهور كل منهما بنص الآخر ، بعين ما مرّ في النص والظاهر الحقيقيين ، فينتج الكراهة المجامعة مع الترخيص المطلق.
ومنها : ما إذا كان لكل من المتعارضين قدر متيقن - في الارادة - من الخارج ، كما إذا ورد ( ثمن العذرة سحت ) (٣) وورد ( لا بأس ببيع العذرة ) (٤) فان عذرة الانسان قدر متيقن في الأول ، وعذرة المأكول قدر متيقن في الثاني.
__________________
(١) الكفاية ٣٨١ : ٢.
(٢) التعليقة ٨.
(٣و٤) الوسائل : ج ١٢ : الباب ٤٠ من أبواب ما يكتسب به : الحديث ١ و٢ و٣.