وقد بينا هناك (١) أن اختصاصها بالمجتهد (٢) ليس من حيث كونها من المقدمات المؤدية إلى استنباط الحكم ، لتكون كاشفا عن كون المسألة أصولية ، بل من حيث ان خيرة تطبيقها على مصاديقها واحراز تحققها - الموقوف على الفحص - مختصة بالمجتهد ، ومثله موجود في سائر القواعد الكلية الفقهية أيضا.
وذكرنا هناك أن التفصي عن الاشكال - بالالتزام بتعميم الاستنباط - من أحد وجهين أو منهما معا :
إما بدعوى أن إيجاب تصديق العادل ، وايجاب إبقاء اليقين إيجاب كنائي عن جعل الحكم المماثل لما أخبر بوجوبه العادل ، ولما أيقن بوجوبه المكلف. وهذا المقدار من التوسيط الناشيء عن التلازم بين الكنائي والحقيقي كاف في مرحلة الاستنباط فالبحث في الاصول عن هذا الملزوم الكنائي ، وفي الفقه عن ذلك اللازم الحقيقي.
وإما بدعوى أن الاستنباط والاجتهاد بمعنى تحصيل الحجة على حكم العمل ، لا بمعنى يؤدي إلى العلم بحكم العمل حتى يقال : لا علم بالحكم ، بل مجرد ما ينجزه شرعا.
فشأن المسائل الاصولية : البحث عن الحجية ولو بمعنى المنجزية.
وشأن المسائل الفقهية : إثبات الحجة على التكاليف المتعلقة بأفعال المكلفين.
وتوقف تحصيل الحجة على الفراغ عن الحجية في فن الأصول واضح.
ونزيدك هنا : إن تعميم الاستنباط بالتقريب الأول ، وإن كان مفيدا في مقام التوسيط ، لكنه غير مفيد في مقام إثبات الحجية ، إذ مجرد جعل الحكم المماثل لبّا ، أو جعل الحكم كنائيا لا ربط له بالحجية.
بل الحجية إما بمعنى الوساطة في الاثبات أو الوساطة في التنجز.
وعليه فجعل الحكم المماثل لما أخبر بوجوبه العادل - بعنوان أنه هو الحكم الواصل بالخبر - جعل موصلية الخبر ووساطته لاثبات الواقع عنوانا.
فالواصل بالذات ، وإن كان هو الحكم المماثل بنفس دليل الاعتبار ، إلا أنه حيث كان بلسان أنه الواقع الواصل بالخبر ، فالحكم الواقعي بالعرض يكون واصلا ، وإن لم يكن عنوان كنائي أيضا.
فالمبحوث عنه في الاصول : وساطة الخبر لإثبات الواقع عنوانا ، أو لتنجزه حقيقة ،
__________________
(١) ج ١ : ذيل تعريف علم الاصول التعليقة « ١٣ » وج ٤ : اول البراءة : التعليقة ١.
(٢) كما ذهب اليه الشيخ الاعظم « قده » في رسائله : ص ٣٢٠ : في الأمر الثالث بعد تعريف الاستصحاب.