من ترك أحدهما ، لا من التساقط ، وأنه إذا لم يمكن الجمع ، فأرجع إلى مقبولة عمر بن حنظلة (١) ، فيعلم منه أن الجمع أولى من الترجيح والتخيير.
إلاّ أنه بناء على هذا المبنى - المفروض معه تيقن أحد الخبرين - أيضا يصح ما أفاده شيخنا الاستاذ (قدس سره) هنا من لزوم طرح إمارتين ، فان فرض الجمع فرض شمول دليل التعبد بالصدور لكلا الخبرين ، وفي هذا الفرض يكون دليل التعبد بالظهور - في نفسه - قابلا لشمول كلا الظاهرين ، فيكون رفع اليد عنهما مخالفا للأصل.
فابطال الجمع ، تارة بعدم المقتضي له عقلا ونقلا ، وأخرى بلزوم محذور الطرح من فرض الجمع. فأبطال هذا الفرض والتقدير ، كما عن الشيخ (قدس سره) أمر ، ولزوم المحذور على هذا الفرض والتقدير أمر آخر. فالصواب ما في الكتاب ، والله أعلم بالصواب.
[١٨] قوله قدس سره : والا فربما يدعي الاجماع على عدم... الخ (٢)
فيكون الاجماع كالاخبار العلاجية ، كاشفا عن حجية أحد الخبرين بالفعل بجعل جديد. فان قصور أدلة الحجية العامة عن شمول المتعارضين لا ينافي قيام دليل بالخصوص على حكم المتعارضين تعيينا أو تخييرا.
غاية الأمر إن مقتضى الاجماع هي حجية أحد المتعارضين في الجملة ، ومقتضى الأخبار العلاجية حجية الراجح تعيينا ، وحجية المتعادلين تخييرا. وحيث أن المفروض قيام الاجماع على عدم التساقط في المورد الذي يكون مقتضى طبعه ، التساقط ، فلا محالة تكون الحجية الفعلية - تعيينا أو تخييرا - في المتعارضين المبني على الطريقية ، دون السببية ، فان مقتضى طبعها عدم التساقط ، من دون حاجة إلى الاجماع وغيره.
وبناء عليه ، فلابد من تعقل التخيير على الطريقية ، حتى يحكم بالتخيير في صورة التعادل.
فنقول : نحن وإن ذكرنا سابقا (٣) أن التخيير بين ما يتضمن الواقع ، وما لا يتضمنه - مع سوق الحجية لمراعاة المصلحة الواقعية القائمة بأحدهما المعين واقعا - غير معقول ، إلاّ أنه من الواضح بعد التأمل : إن مجرد موافقة الأمارة للواقع لا ينجز الواقع ، وإلاّ لكانت كل أمارة موافقة للواقع واقعا منجزة للواقع ، بل لابد من مصلحة في الطريق ، بحيث تكون هي
__________________
(١) الوسائل : ج ١٨ : الباب ٩ من أبواب صفات القاضي : الحديث ١.
(٢) الكفاية ٣٨٩ : ٢.
(٣) التعليقة ٩.