الراجح أرجح من غيره في جميع الجهات ، بل هو بقول مطلق أرجح إذا كانت له مزية لا تكون في غيره.

ومما ذكرنا تبين : أن النقض - بمثل البصر والكتابة - غير وارد ، لأنهما شرط ، وهو أجنبي عن المقتضي ، ليلاحظ أقرى المقتضيين ، وأنه لا نقض في طرف المقتضي ، ويشهد له حكم العقلاء - في مقام الرجوع إلى أهل الخبرة - بتقديم قول الأعلم في مقام التعارض ، لأن الملاك علمه وخبرته ، وهو فيه أقوى. وعليه فلا عبرة بكل مزية ، بل بمزية في نفس الملاك والمقتضي ، وهو يختلف باختلاف المقامات ، ففي الافتاء والقضاء العبرة بوفور علمه ومعرفته ، دون غيره ، وفي باب الأخبار بقوة وثاقته لا بمزيد فقاهته. فتدبر.

[٣١] قوله قدس سره : مضافا الى ما في الاضراب من الحكم بالقبح... الخ (١)

تحقيق المقام : إن الترجيح موضوعه الفعل الارادي ، وثبوت الارادة فيه مفروغ عنه ، وإلاّ لكان ترجحا بلا مرجح ، وهو مساوق للمعلول بلا علة ، وامتناعه بديهي لا يختلف فيه أحد ، ففي الموضوع الارادي ، قالوا بقبحه تارة ، وبأمتناعه أخرى

بيانه : إن الأشاعرة بنوا على خلّو أفعال الله تعالى التكوينية والتشريعية عن الغايات الذاتية والعرضية ، وعن الحكم والمصالح الواقعية ، نظرا إلى جواز الترجيح بلا مرجح ، لإمكان الإرادة الجزافية ، نمسكا منهم بأمثلة جزئية مذكورة في الكتب الكلامية (٢) ، بل الأصولية ، (٣) ونفيا منهم للحسن والقبح بالكلية. فالفعل الإرادي الخالي عن الغرض معلول للإرادة المستندة الى المريد ، فلا يلزم المعلول بلا علة ، وحيث لا حسن ، ولا قبح ، فلا يتصف مثل هذا الفعل - الخالي عن الغاية والغرض بالذات وبالعرض - بكونه قبيحا.

وأجاب الحكماء - بعد إثبات الحسن والقبح عقلا في كلية أفعال الله تعالى والعباد - بأن الفعل الخالي عن الغاية والغرض قبيح من كل عاقل ، وبأن تجويز الإرادة الجزافية يؤل الى تجويز الترجح بلا مرجح ؛ لان الارادة من الممكنات ، فتعلقها بأحد الأمرين دون تعلق إرادة أخرى بالآخر إما بارادة اخرى ، فيدور أو يتسلسل ، وإما بلا إرادة وبلا جهة موجبة لتعلقها بهذا. دون ذاك ، كان معناه حدوث الارادة بلا سبب ، وهو عين الترجح بلا مرجح ، وخروج الممكن عن إمكانه بلا موجب. فبالاضافة

__________________

(١) الكفاية ٣٩٦ : ٢.

(٢) راجع كشف الفوائد للعلامة : ٤١ وشرح تجريد العقائد للقوشجي : ٢٨٠.

(٣) راجع بحر الفوائد للمحقق الآشتياني : ٢٤٥ : في نتيجة دليل الانسداد.

۴۳۰۱