ومنه تعرف أيضا : إن جعل القضية خبرية محضة حاكية عن جعل الطهارة الواقعية ، وعن جعلها مستمرة ظاهرا ، لا إنشاؤهما بها حتى يندفع إشكال قصور مقام الاثبات ، وامتناع مقام الثبوت أيضا غير مجد شيئا ؛ لأن استمرار الطهارة حقيقة ظاهرا حيث أنه غير معقول فلا يعقل الحكاية عن مثله ، فلا محالة يكون حاكية عن استمرار الطهارة الواقعية عنوانا فقط ، فلا تكون الرواية جعلا لحكمين ، ولا كاشفة عن جعل الحكمين.

ثم إن الغاية حيث أنها غاية ، وحدّ للمحمول - وهو المغيّى - وهو واحد ، وبوحدته العمومية حكم واقعي للشيء بنفسه ، وحكم ظاهري بما هو مشكوك ، فإرجاع الغاية إلى بعض أفراد الجامع خلاف الظاهر ، وإرجاعها إلى الحكم الجامع ينتج الحكم باستمرار الطهارة الواقعية ، وباستمرار الطهارة الظاهرية ، والاستصحاب هو الأول ، دون الثاني ، فان بقاء الحكم الظاهري في مرحلة الفعلية ببقاء موضوعه - وهو عدم العلم - عقلي ، لا جعلي ، وحينئذ فالحكم باستمرار الجامع لا جعلي فقط ، ولا عقلي فقط.

وأما الاحتمال الرابع - وهو ما في المتن - من تكفل الرواية للحكم الواقعي ، وللحكم الظاهري الاستصحابي ، فهو ، وإن كان يندفع عنه محاذير ضم الحكم الظاهري - الذي هو مفاد القاعدة - إلا أن محاذير الجمع بين الحكمين على حالها فلا نعيد.

وأما الاحتمال الخامس - وهو تكفل الرواية لخصوص الاستصحاب - كما استظهره الشيخ الأعظم (قده) (١) من خصوص رواية حماد ( الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر ) (٢) فجميع الاشكالات اللازمة من انضمام الحكم الواقعي ومفاد القاعدة إلى الاستصحاب مندفعة عنه.

إلا أنه يرد عليه : إن الاستصحاب ، إما هو ابقاء الشارع وجعل الطهارة مستمرة لثبوتها سابقا ، أو ابقاء المكلف ، وأمر الشارع بابقائها واستمرارها عملا.

فان اريد الأول فقوله عليه السلام ( طاهر الى ان يعلم ) وإن كان إبقاء من الشارع ، وهو قد جعل الطهارة مستمرة ، إلا أنه ليس كل ابقاء الحكم في ثاني الحال استصحابا ، بل الابقاء في الزمان الثاني استنادا إلى ثبوته في الزمان الأول ، كما بيناه في أوائل مبحث الاستصحاب. وليس في قوله عليه السلام ( طاهر حتى تعلم ) ما يفيد أن استمرار الحكم

__________________

(١) الرسائل : ٣٣٦.

(٢) الوسائل : ج ١ : الباب ١ من المياه : ص ١٠٠ : الحديث ٥.

۴۳۰۱