« الظن بالبقاء » من الأدلة العقلية.

بيانه : إن القضية العقلية تمتاز عن القضية الشرعية بمحمولها ، من حيث كونه امرا واقعيا غير شرعي ، وإلا فالمحمول الشرعي لا يخرج « القضية المتكفلة له » عن كونها قضية شرعية بالظن به.

ودفعه بأن الحكم العقلي - هنا - هو الظن بالملازمة بين الحدوث والبقاء ، دون الظن بالحكم بقاء ، والملازمة أمر واقعي ، أدركه العقل ، وإن كان طرفا هذه الملازمة شرعيتين ، كالملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ، فهي من الأحكام العقلية الغير المستقلة - كسائر الملازمات الغير المستقلة - مما لابد في التوصل بها إلى الحكم الشرعي من ضم خطاب شرعي.

أقول : الملازمة بين الحدوث والبقاء بذاتهما مقطوع الانتفاء ؛ إذ لا تلازم إلا بعلية أحدهما للآخر ، أو بمعلوليتهما لثالث. وليس وجود الشيء في زمان علة لوجوده في زمان آخر ، وليس البقاء إلا استمرار الوجود الواحد لعلة مقتضية للوجود الخاص المستمر ، لا أنهما موجودان معلولان لعلة واحدة.

بل الملازمة : إما بين الحدوث وغلبة البقاء ، أو بين الغلبة والظن بالبقاء ، أو بين الحدوث والظن بالبقاء إما بالعرض ، لمكان الغلبة المفيدة للظن به ، أو بالذات ، لترجح جانب البقاء بسبب ارتكاز الثبوت ، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى (١) .

ومن الواضح أن الملازمة بين الثبوت وغلبة البقاء - لمكان استقراء الموجودات - قطعية ، وكذا الملازمة بين الغلبة والظن بالبقاء ، فلم يبق ما يكون مظنونا ، إلا نفس بقاء الحكم.

فما هو أمر واقعي - وهي الملازمة بأحد الوجوه المزبورة - قطعي وما هو شرعي - وهو الحكم بقاء - ظني.

فالتحقيق في دفع الاشكال : إن القضية العقلية هي كون الحكم مظنون البقاء ، لا نفس الظن بالبقاء ، وهي نتيجة القياس المزبور سابقا : من أن الحكم مما ثبت ، ولم يعلم ارتفاعه ، وكل ما كان كذلك ، فهو مظنون البقاء.

وكون الحكم مظنون البقاء هو مورد الاذعان العقلي ، لا نفس البقاء ، ولأجل

__________________

(١) عند التعرض للدليل العقلي للاستصحاب : يأتي في التعليقة : ١٢.

۴۳۰۱