فنحن ندعي خروج ما استقرت عليه سيرة العقلاء بنحو التخصص ، وهو يدعي انطباق المأمور باتباعه على الظن الخبري ، الذي هو حجة قاطعة للعذر عندهم ، وعدم صدق غير العلم من باب صدق نقيضه عليه بالنظر العرفي.
(١٢) قوله قدس سره : إن الثبوت في السابق موجب للظن... الخ (١) .
قد عرفت سابقا (٢) أن الثبوت في السابق - تارة - بنفسه ملازم للظن بالبقاء ، - وأخرى - بواسطة غلبة البقاء المستلزمة للظن به.
والأول بملاحظة أن ارتكاز الثبوت - في الذهن - يرجح جانب الوجود على العدم في الزمان اللاحق ، فان الخروج من حاقّ الوسط - بين الوجود والعدم - يكفى في رجحانه أدنى خصوصية مفقودة في الطرف الآخر.
وليس رجحان البقاء - ظنا - معلولا لنفس الثبوت ؛ لعدم السنخية بين الثبوت الخارج عن افق النفس ، مع الظن الواقع في أفق النفس ، بل معلول لارتكاز الثبوت المسانخ للظن بالبقاء.
والثاني بملاحظة تصفح الموجودات ، وملاحظة بقائها غالبا ، والغلبة توجب الظن بلحوق المشكوك بالغالب ، دون النادر.
وعن شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره) (٣) تسليم الغلبة ، والمنع عن إفادتها للظن بالبقاء ، نظرا إلى أنه لا جامع رابط بين الموجودات ، فان بقاء كل منها ببقاء علته الخاصة به المفقودة في غيره.
والتحقيق : إن اعتبار الجامع الرابط - قطعيا أو ظنيا - إنما هو في الاستقراء التام والناقص ، حيث انه الحكم على الكلي بمشاهدة جزئياته ، فان كانت المشاهدة لجميع الجزئيات أفادت العلم باستناد الحكم الى الجامع ؛ لرجوعه إلى ( القياس المقسم ) باصطلاح الميزانيين (٤) .
فيقال مثلا : كل جسم إما جماد أو نبات أو حيوان ، وكل جماد أو نبات أو حيوان متحيز ، فكل جسم متحيز.
وإن كانت المشاهدة لأكثر الجزئيات ، مع عدم العلم أو الظن بما يناقضه في غيرها
__________________
(١) الكفاية ٢٨١ : ٢.
(٢) ج ٥ : التعليقة : ٧.
(٣) الرسائل : ٣٣٩ ( ردا على صاحب القوانين « قده » ) .
(٤) في منطق المنظومة : ٨٤ ( يعطي اليقين التم إذ قياس - مقسم المرجع والاساس ) .