هذا الفرض كلا الوجهين الاولين من الوجوه الثلاثة المتقدمة.
ثانيها : ان تكون المصلحة ثابتة حتى في صورة الجهل بمقتضاها أو قيام الامارة المخالفة لمقتضاها ، فمقتضاها ثابت - دائما - بنحو ثبوت المقتضى بثبوت مقتضيه ، لكن مصلحة الحكم الواقعي مزاحمة في التأثير بمصلحة الحكم الظاهري ، واذا فرض اقوائية الثانية من الاولى فلا محالة يسقط مقتضاها ، وان كان له ثبوت اقتضائي.
وهذا هو بعينه مورد اجماع الاصحاب وتواتر الاخبار ، فان هذا النحو من الثبوت ثبوت عرضى لا ثبوت حقيقي.
الا ان فرض المزاحمة في التأثير غير معقول ، لان تنافي المقتضيين في التأثير تناف بالعرض فلابد من تنافي مقتضاهما ، وليس مقتضاهما الا الانشاء بداعي جعل الداعي ، ولا تنافي بين الانشائين بداعيين ، بل التنافي بين بعثين حقيقيين أو زجرين كذلك أو بعث وزجر كذلك. واما تنافيهما من حيث انتهائهما الى جعل داعيين متماثلين او متضادين فغير لازم ، لان جعل الداعي المعبر عنه بالحكم الظاهري في ظرف عدم وصول الحكم الواقعي ، وهو ظرف عدم البعث الحقيقي.
فاما ان يصل الواقع ويكون بعثا حقيقيا فلا موضوع للحكم الظاهري ، واما لا وصول له فلا بعث حقيقي كي يمنع عن بعث على خلافه - في ظرف عدم وصوله -. فبهذا الوجه دفعنا التنافي بين الحكم الواقعي والظاهري في محله. (١)
ثالثها : ان تكون المصلحة المقتضية للحكم الواقعي والمصلحة الباعثة على الحكم الظاهري متضادتين وجودا ، لا متزاحمتين تأثيرا ، فمع فرض فعلية الحكم الظاهري الكاشفة عن اقوائية مقتضيه لا مصلحة للحكم الواقعي ، لاستحالة وجود احد المتنافيين بعد وجود الاخر ، فلا حكم واقعي حتى بنحو الثبوت بثبوت مقتضيه ، فيلزم التصويب ، وان كان يستلزم الاجزاء بمعنى عدم الاعادة بموافقة الامر الواقعي بعد كشف الخلاف ، حيث لا يعقل الامر بالواقع.
الا ان التحقيق عدم لزوم التصويب ، لان جعل الحكمين مع تضاد المصلحتين انما يكون مستحيلا اذا لزم منه التسبيب الى ايجاد المتضادين ،
__________________
(١) نهاية الدراية ٣ : التعليقة ٥٥.