بل منشأ الظهور : أن الموضوع في القضية قد يكون - من حيث مفهومه ومعناه - موضوعا للحكم ، كما في الحمل الذاتي ، وقد يكون بما هو فان في مطابقه. ومطابق المفاهيم الثبوتية حيثية ذاتها حيثية طرد العدم.
وما نحن فيه من قبيل الثاني ، كما هو واضح.
ثانيهما : إن مفاد دليل الاستصحاب - كدليل الامارة ، بل وجميع الأصول - وظائف شرعية ، وأحكام طريقية ، لا نفسية حقيقية ، فمفادها إمّا التنجيز ، وإما الاعذار ، وهما يتقومان بالوصول - حكما وموضوعا - ، فلا يعقل تعلق التنجيز والاعذار بموضوع تقديري غير موجود بالفعل ، ولا ملتفت إليه ، حيث أن الالتفات يساوق تحققه ، فسنخ الحكم يقتضي برهانا عدم كون الموضوع أمرا تقديريا يجامع الغفلة.
كما أن الظهور في الأول يقتضي فعلية الشك.
نعم - بناء على الوجه الثاني - لا يكفى فعلية الشك في فعلية الحكم ، بل لابد من الالتفات إلى حكمه ؛ لان للفعلية والتنجز في الأحكام الطريقية مرتبة واحدة.
بخلاف الوجه الأول ، فانه يمكن أن يكون الحكم المرتب على الشك الفعلي حكما نفسيا كسائر الأحكام النفسية ، فلا يتقوم تحققه بالالتفات اليه ، بل يتقوم تنجزه به.
وأما على ما هو التحقيق - عندنا - من مساوقة الفعلية ، والتنجز مطلقا ، فالحكم النفسي والطريقي - من حيث تقومه بالالتفات إليه - على حد واحد.
(٥٨) قوله قدس سره : فيحكم بصحة صلاة من احدث ثم غفل... الخ (١) .
عدم جريان الاستصحاب قبل الصلاة ، وفي حال الصلاة بناء على ما تقدم - من تقومه بالشك الفعلى - واضح.
وأما صحة الصلاة بقاعدة الفراغ فبناء على الطريقية والظهور النوعي من حال المصلى بانه لا يدخل في العمل إلا مستجمعا لما يعتبر فيه وجودا وعدما ، كما يشهد له التعليل بأنه - هو حين يتوضأ أذكر (٢) - لا مجال للقاعدة ؛ للقطع بأنه كان غافلا عن حدثه المتيقن سابقا ، لا ذاكرا ، فضلا عن كونه أذكر.
وأما بناء على أنها من الأصول العملية ، المنوطة بمجرد حدوث الشك بعد العمل ، لا من باب تقديم الظاهر على الأصل ، فلا شبهة في جريان قاعدة الفراغ.
__________________
(١) الكفاية ٣٠٨ : ٢.
(٢) الوسائل : ج ١ : الباب ٤٢ من ابواب الوضوء : ص ٣٣١ : الحديث ٧.