هذا لا ينافي كون الحجية حكما عمليا.
غاية الأمر ان المستصحب - في مثل وجوب الصلاة - حكم عملي متعلق بعنوان خاص ، وفي مثل الحجية حكم عملي متعلق بعنوان عام.
والحكم المماثل المجعول في الاول وجوب الصلاة ، وفي الثاني وجوب تصديق العادل أو وجوب ابقاء اليقين عملا.
وتسمية بعض الاحكام العملية بالحكم الاصولي ، لا تخرج الحكم عن كونه حكما عمليا شرعيا ، بعد وضوح ان حقيقة الحكم لا تخلو من تعلقها (١) : إما بفعل الجارحة ، أو بفعل الجانحة ، والأول حكم عملي فرعي ، والثاني حكم جناني أصلي.
ويختص الثاني بباب العقائد ، كاختصاص الأول بباب العمليات - سواء كان فعل الصلاة أو تصديق العادل عملا - وهو إما عنوان لفعل الصلاة ، أو عنوان توليدي منه.
وإنما سمى بعض الأحكام بالأصولية ، لمجرد كون المحكوم بهذا الحكم هو المجتهد - عنوانا ، لا لبّا - إذ ربما لا يكون له مساس به ، كما نبهنا عليه في أول مبحث البراءة وسيأتي إن شاء الله تعالى في مباحث الاجتهاد والتقليد (٢) .
(٦) قوله قدس سره : وأما لو كان عبارة عن بناء العقلاء... الخ (٣)
قد عرفت سابقا (٤) أن بناء العقلاء عملا ، وإن كان ابقاء عمليا منهم - ويناسب مشتقات الاستصحاب - إلا أن الموصوف بالحجية ما هو الباعث على بنائهم ،
وهو إما اليقين السابق ، أو الكون السابق ، أو الظن اللاحق.
فبناؤهم على المؤاخذة على ترك المتيقن - بسبب أحد الامور المزبورة - هو المصحح لانتزاع الحجية. وإمضاء بناء العقلاء بمعنى اعتبار الحجية شرعا لما بنى العقلاء على المؤاخذة بسببه ، وأن ما هو المنجز عندهم منجز عند الشارع.
__________________
(١) ج ٤ : التعليقة « ١ » .
(٢) ج ٦ : التعليقة « ٦٤ » .
وملخص القول في الموردين بما يفيدنا في المقام : ان المقلد حيث انه لا يمكنه الاستنباط من الادلة - في المسألة الاصولية - ولا التطبيق على مصاديقه - في المسألة الفرعية - فالمجتهد ينوب عنه فيما لم يكن للحكم مساس عملا به ، بل كان مختصا بالمقلد - كاحكام الحيض - فالمجتهد هو الموضوع - عنوانا - والمقلد هو الموضوع - واقعا - فمجيء الخبر الى المجتهد منزّل منزلة مجيئه الى المقلد.
(٣) الكفاية ٢٧٧ : ٢.
(٤) تقدم في التعليقة : ١.