عندهم للمؤاخذة على مخالفة ما يكون الظاهر كاشفا نوعيا عنه - يوصف بالحجية ، فلابد هنا من فرض صحة مؤاخذتهم على ترك الجري على طبق الحالة السابقة :
إما لليقين السابق واقتضاء وثاقة اليقين لعدم رفع اليد عنه عندهم.
أو للظن بالبقاء واقتضائه عندهم للجري على وفقه.
فالمصحح للمؤاخذة ليس نفس إبقائهم عملا ، أو إبقاء المكلف ، بل أحد الأمرين المزبورين ، أو غيرهما مما سيأتي الاشارة إليه إن شاء الله تعالى (١) .
فعلم مما ذكرنا أن بناءهم عملا ، وإن كان ابقاء عمليا منهم ، وهو المناسب للاستصحاب ومشتقاته المنسوبة إلى العامل ، إلا أن الوصوف بالحجية غيره.
ومعنى حجية بنا العقلاء - شرعا - أن ما بنى العقلاء على المؤاخذة بسببه - على فعل أو ترك - يصح المؤاخذة به عند الشارع.
فلم يبق من الاستصحاب بالمباني الثلاثة ، إلا الإذعان العقلي الظني ببقاء الحكم ، فانه صالح لأن يكون منجزا للحكم ، إلا أن الاستصحاب بهذا المعنى لا يناسب مشتقاته المنسوبة إلى المكلف.
ويمكن أن يراد من الحكم - في قوله (قده) (٢) وفي كلام الشيخ الأعظم (قده) في الرسائل : ( إن الاستصحاب هو الحكم ببقاء الحكم الخ... ) (٣) - ما هو المرسوم في التعبيرات من الحكم بقيام زيد ، وهو كونه الرابط ، فيرجع إلى أن الاستصحاب كون الحكم باقيا في نظر الشارع أو عند العقلاء ، أو في نظر العقل ظنا - لظنه ببقائه - وهو المستند للحكم بالابقاء من الشارع ، وللابقاء العملي من العقلاء ، فيندفع محذور الجامع (٤) ومحذور الدليلية (٥) .
ولا يأبى كلامه (قده) عن ذلك حيث قال : ( اما من جهة بناء العقلاء على ذلك (٦) أي على كونه ، لا على الالزام به.
وفيه : إن كونه باقيا في نظر الشارع ليس إلا منتزعا من الالزام بابقائه ، فهو باق بحسب حكمه ، لا بلحاظ أمر آخر ، كما أن كونه باقيا - في نظر العقلاء - ليس إلا كونه
__________________
(١) يأتي في التعليقة : ٦.
(٢) الكفاية ج ٢٧٣ : ٢.
(٣) الرّسائل : ٣١٨ « في تعريف الاستصحاب » .
(٤) أي عدم الجامعية للإستصحاب بحسب المباني الثلاثة.
(٥) أي عدم صحة التوصيف بالدليلية.
(٦) الكفاية ج ٢٧٣ : ٢.