وأما الترجيح بالصفات ، فالمتكفل له مقبولة عمر بن حنظلة (١) ومرفوعة زرارة (٢) وهما أيضا مختلفتان من حيث تقديم الترجيح بالصفات على الترجيح بالشهرة وغيرها في الأولى ، وتأخيره عنه في الثانية.
والعمدة هي المقبولة لضعف سند المرفوعة ، فلا دليل على الترجيح بالصفات إلا المقبولة ، ومن البين بالتأمل إن موردها الحكمان ، دون الراويين ، والحكم والفتوى - في الصدر الأول - من الرواة وإن كانا بنقل الرواية ، إلاّ أن اعتبار شيء في الناقل - بما هو حاكم وفاصل - غير اعتباره فيه بما هو راو ومحدث.
وبالجملة : المقبولة متكفلة لترجيح أعدل الحكمين ، لا أعدل الراويين ، كما في روايتي داود بن الحصين (٣) وموسى بن أكيل (٤) الواردتين في ترجيح أحد الحكمين على الآخر في مقام نفوذ حكمه ، لا في مقام قبول روايته ، ويؤيده ذكر الأفقهية في عداد الصفات ، فانه يناسب مقام الاستفادة والحكم على طبق ما استفاده ، ولذا لم يذكر هذه الصفة في المرفوعة المتمحضة في الترجيح من حيث الرواية.
ولعله لعدم الدليل على الترجيح بالصفات لم يتعرض له ثقة الاسلام (قده) في ديباجة الكافي (٥) ، لا من حيث أن أخبار كتابه كلها قطعية الصدور ، فلا يحتاج إلاّ إلى مرجحات المضمون أو جهة الصدور ، فانه على فرض صدقه ينتقض بالشهرة التي عدها من المرجحات ، وهي مرجحة للصدور ، إذ المراد منها الشهرة في الرواية ، لا في الفتوى والعمل. مع أنه (قده) في مقام بيان العلاج للأخبار المتعارضة كلية ، لا لأخبار كتابه بالخصوص ، كي يتوهم أنّ قطعية صدورها تمنع عن ذكر مرجحات الصدور.
وأما دعوى أن عدم تعرضه (قده) للترجيح بالصفات ، لكونه من ارتكازيات أهل العرف - بما هم أهل العرف - لئلا ينتقض بموافقة الكتاب ، حيث أنها من ارتكازيات المتشرعة بما هم متشرعة. فمدفوعة : بأن الترجيح بالمشهور والمجمع على نقله في قبال الشاذ النادر أيضا ارتكازي للعرف ، ومع ذلك فقد تعرض له.
وأما المرفوعة الدالة على الترجيح بالصفات في الراويين ، فهي - كما عرفت -
__________________
(١) الوسائل ٧٥ : ١٨ : باب ٩ من أبواب صفات القاضي : حديث ١.
(٢) عوالي اللئالي ١٣٣ : ٤ : حديث ٢٢٩.
(٣) الوسائل ٨٠ : ١٨ : باب ٩ من أبواب صفات القاضي : حديث ٢٠.
(٤) الوسائل ٨٨ : ١٨ : باب ٩ من أبواب صفات القاضي : حديث ٤٥.
(٥) الكافي ٧ : ١.