الجمود على عنوان أقوى الدليلين ، وإن كان يقتضي ذلك ، إلا أن الدال إذا كان فانيا في المدلول ، وكان أحد المدلولين أقرب إلى الواقع ، فالدال عليه أقرب ، ولذا يوصف الخبر المخالف للعامة بكونه أقوى ، مع أنه ليس إلا من أجل كون مضمونه أقرب إلى الحق ، أو أبعد عن الباطل عند من يجعل مرجحية المخالفة من هذه الحيثية ، لا لكون المخالفة أمارة تعبدية على الحجية الفعلية. فتدبر.

[٤٤] قوله قدس سره : وقصارى ما يقال في وجهه... الخ (١)

توضيح المقام : إن التعارض بين الحديثين - كما عرفت في أول الباب - لا ينسب إليهما إلا بلحاظ الدلالة ، لا المدلول بذاته ، ولا الحديثين من حيث الدليلية والحجية ، ولذا قلنا سابقا ان التعارض بهذا المعنى ثابت بالنسبة إلى العام والخاص أيضا.

إلا أن السؤال عن حكم تعارض الحديثين باعتبار الأثر المترتب عليهما ، لا باعتبار مجرد التعارض بين الكاشفين ، ولو لم يكن لهما حجية ودليلية ، فلا منافاة بين أن يكون التعارض باعتبار الكاشفية والدلالة ، وأن يكون السؤال عن حكمه باعتبار الحجية والدليلية.

ومن البين : إن السؤال بدوا باعتبار صدورهما - من حيث كونهما خبرا قابلا للصدور وعدمه - ولذا لم يقع سؤال عن الآيتين المتعارضتين ، ولا عن المتواترين المتعارضين ، حتى يكون مآله إلى التحيّر في حال ظاهرين متعارضين ، ليحمل تارة - على عدم الالتفات إلى ما يقتضيه حكم العرف بالجمع بينهما ، في مثل العام والخاص ، وأخرى - على احتمال الردع عن الطريقة العرفية.

وإذا كانت جهة السؤال متمحضة في التعبد بالصدور ، فلا محالة لا مجال للتحيّر في التعبد بالصدور ، إلا في مدلولين غير متلائمين عرفا ، فان المتلائمين عرفا لا مانع عن التعبد بصدورهما بأدلة حجية الخبر ، المفروض شمولها في حد ذاتها للمتعارضين ، وبعد فرض تساويهما في المرجحات من حيث الصدور - حتى بفرضهما مشهورين قد رواهما الثقات جميعا - أمر بالترجيح بموافقة الكتاب وبمخالفة العامة ، فانهما أمارتان تعبديتان على أن المراد الجدي على طبق الموافق للكتاب ، والمخالف للعامة ، ولو مع فرض صدور المخالف للكتاب والموافق للعامة منهم عليهم السّلام.

مع أن التعارض غير مفروض في خصوص العام والخاص ، ليحمل على احتمال

__________________

(١) الكفاية ٤٠٢ : ٢.

۴۳۰۱