ولا يقاس هذا الخبر بما تقدم ، من الخبر المتضمن للسؤال عن اختلاف الحديث ، الذي يرويه من يوثق به ، ومن لا يوثق به ، فانه لا يقاس زرارة بغيره ، ولا يقاس السؤال عن مجرد الاختلاف بالسؤال بقوله ( بأيهما آخذ ) فانه ظاهر في الأخذ بالخبر ، لا في رعاية الواقع بالتوقف والاحتياط ، الذي احتملناه في السابق.
مضافا إلى أن المفروض في صدر الخبر ، إن كان مجرد تعارض الخبرين ، ولو لم يكونا مستجمعي الشرائط ، وكانت الشهرة ملاك الحجية ، إما لكونها موجبة للقطع بصدوره ، أو للوثوق بصدوره ، فلا محالة - إذا كانا مشهورين - كانا حجتين بالذات ، فما معنى إنّ كون أحد الراويين غير عادل يوجب سقوط روايته عن الحجية الذاتية ، كما هو صريح كلام هذا المتخيل.
ولو قلنا بأن اشتهار الخبرين يوجب حجيتهما الذاتية ، وكون أحد الراويين عادلا يوجب ترجيح روايته على الأخرى ، المفروضة حجيتها الذاتية أيضا صح لنا الترجيح بالأعدلية ، فان هذه الصفة الموجبة للرجحان شرعا أشد في أحدهما ، فيكون أرجح من الآخر شرعا.
مع أن الشهرة لو كانت موجبة للقطع بالصدور ، بل موجبة للقطع بمضمونه ، كما في آخر عبارة هذا المتخيل ، فلا مجال لإعمال الترجيح بالعدالة ، التي لا تعقل إلا أن تكون من مرجحات الصدور ، فتدبر جيدا.
وأما ما عن شيخنا العلامة الأنصاري (قده) في وجه تقديم المقبولة على المرفوعة - مع فرض اختلافهما من حيث تقديم الشهرة على الترجيح بالصفات في الثانية ، وتأخيرها عنه في الأولى - بدعوى أن المقبولة بمقتضى المرفوعة الآمرة بتقديم المشهور على غيره مقدمة على المرفوعة المنافية لها ؛ لأن المقبولة مشهورة ، والمرفوعة شاذة (١) .
فمدفوع : بأن المقبولة وان كانت منقولة في كتب المحمدين الثلاثة بطرق مختلفة (٢) إلا أنه لا أظن أنها مقبولة من حيث الشهرة في الرواية ، بل لأنّ صفوان بن يحيى في السند ، وهو من أصحاب الاجماع ، فتقبل الرواية لهذه الجهة ، وإن لم يوثق عمر بن حنظلة صريحا ، مع أن شمول الأخبار العلاجية لعلاج نفسها ، لا يمكن إلا بنحو القضية الطبيعية أو
__________________
(١) الرسائل : ٤٤٧.
(٢) الكافي ٥٤ : ١ : باب اختلاف الحديث من كتاب فضل العلم : حديث ١٠.
الفقيه ٥ : ٣ : باب الاتفاق على عدلين في الحكومة : حديث ٢.
التهذيب ٣٠١ : ٦ : باب الزيادات في القضايا والأحكام : حديث ٨٤٥.