المتنافيين عدم التعبد بصدور الآخر ، وهذا غير مانع عن إعمال دليل المرجح من حيث الجهة ؛ لأن تفرعها لا يستدعي إلا كونه واجدا في نفسه لشرائط الحجية ذاتا.
ومن الواضح : إن خبر غير الأعدل بحيث لو كان وحده لكان مما يؤخذ به ، فلا يكون موضوع التعبد بالجهة مرفوعا ، لا بدليل المرجح للصدور ، ولا بلازمه ، كما أن التعبد بالجهة ليس مقتضاه حمل الآخر على التقية تعبدا ؛ إذ ما هو قابل للتعبد سنخ الحكم ، دون غيره ، فليس مرجعه إلا إلى جعل الحكم المماثل على طبق المخالف للعامة دون الموافق ، لا إلى التعبد بصدور الموافق تقية ، فكلا الدليلين في عدم التعبد بالآخر متساويان.
[٥٥] قوله قدس سره : بانتقاضه بالمتكافئين من حيث الصدور... الخ (١)
لا يخفى عليك ان ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) في قوله : ( قلت لا معنى للتعبد إلى آخره ) (٢) ليس في مقام إثبات تأخر رتبة المرجح من حيث الجهة عن المرجح من حيث الصدور ، بل في مقام دفع توهم تقدم رتبة المرجح من حيث الجهة على المرجح من حيث الصدور المذكور في قوله ( إن قلت إلى آخره ) قياسا بالمرجح من حيث الدلالة.
وحاصل الدفع : إن التعبد فعلا بالمتلائمين - بلحاظ قرينية أحدهما على الآخر - معقول ، فلا تصل النوبة إلى إعمال المرجح الصدوري ؛ فانه فرع التعارض - المفقود مع الملائمة بينهما - بخلاف التعبد فعلا بالخبرين ، المحمول أحدهما على صدوره لا لبيان الحكم الواقعي ، فانه لا يعقل التعبد به.
ومنه يعلم : إن التعبد المنفي - هنا - هو التعبد الفعلي ، كما أن التعبد المثبت - في مورد الترجيح من حيث الدلالة - أيضا هو التعبد الفعلي.
نعم التعبد الملحوظ - في قبال القطع بالصدور لإعمال المرجح من حيث الجهة - هو التعبد الملاكي الاقتضائي. وكيف يعقل نسبة لزوم التعبد الفعلي بالخبرين - في مورد إعمال المرجح من حيث الجهة - إليه (قدس سره) ، مع أن صريح كلامه (قدس سره) عدم إمكانه ، فلا نقض بالمتكافئين ، فانه أجنبي عن مورد كلامه ، بل ملاك تقديم المرجح الصدوري تقدم رتبة الصدور على الجهة ، لما مرّ في وجهه. وقد عرفت دفعه ايضا.
[٥٦] قوله قدس سره : وأنت خبير بوضوح فساد برهانه... الخ (٣)
__________________
(١) الكفاية ٤١٤ : ٢.
(٢) الرسائل ٤٦٨ : الامر الخامس.
(٣) الكفاية ٤١٥ : ٢.