وأما إذا لم يحتمل الحكم على طبق المحتمل ، وكان التخيير عقليا محضا ، فالأمر في الفرق بين التخيير هنا ، والتخيير هناك أوضح ، لعدم توقفه على جريان البراءة هنا ، حتى يتوهم التوقف عن الحكم بالتخيير عند عدم جريان البراءة في المثال المفروض.

فتدبر في أطراف ما ذكرنا في المقام ، فانه من مزال الأقدام.

هذا كله بملاحظة مقام الثبوت ، وقد عرفت أن مقتضى الأصل الثانوي - على الطريقية - هو التعيين فيما إذا كان أحدهما ذا مزية مفقودة في الآخر. وإن مقتضى الأصل الأولي هو التخيير على السببية ، ولو في محتمل الأهمية.

وأما مقام الاثبات ، فالظاهر من الأدلة العامة على حجية الخبر هي الطريقية ، ولا مانع من حمل أدلة الحجية الفعلية - أعني الأخبار العلاجية - (١) على التعيين والتخيير الطريقيين ، كما عرفت إمكانه.

نعم ربما يستظهر منها السببية ، ولو في صورة التعارض فقط ، نظرا إلى إعمال بعض المرجحات ، التي لا توجب قوة الصدور ، والقرب إلى الواقع ، والتصريح بأن التخيير لمجرد التسليم لما ورد عنهم عليهم السلام.

وعليه ، فيمكن القول بالتعيين - في صورة احتمال المزية المعتبرة - بدعوى أن الراجح ذا مصلحة ، وأن المرجوح ليس فيه المصلحة أصلا ، وأن ثبوت المصلحة - في الطرفين - مخصوص بصورة تعادل الخبرين ، فان الظاهر : إن المصلحة - المقتضية للتخيير - مصلحة التسليم المختصة بالمتعادلين ، لا أن هذه المصلحة هي المقتضية للأخذ بالراجح بوجه أقوى.

وحينئذ ، فالأصل يقتضي التعيين مطلقا ، سواء قلنا بأن مفاد الأخبار العلاجية جعل الحجية على وجه الطريقية أو على وجه الموضوعية.

وسيأتي - إن شاء الله تعالى - تحقيق حال الأخبار العلاجية من حيث اقتضاء الترجيح والتخيير.

[٢٠] قوله قدس سره : الى غير ذلك من الاطلاقات... الخ (٢)

مجموع ما ورد في الباب ، مما يتضمن التخيير تسعة ، وقد ذكرت أربعة منها في المتن.

والخامسة - ما في العيون في خبر طويل عن الرضا عليه السّلام ، وفي آخره : ( وبأيهما

__________________

(١) الوسائل ٧٥ : ١٨ : باب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٢) الكفاية ٣٩١ : ٢.

۴۳۰۱