وذلك لان الانشاء بداعي جعل الداعي قبل وصوله - بنحو من انحاء الوصول - يستحيل ان يكون في نفسه صالحا للدعوة ، وان بلغ من القوة ما بلغ ، فهو عقلا متقيد بالوصول.

ومنه يعلم ان عدم فعلية الحكم الواقعي ليس لمانعية الحكم الاخر المنبعث عن مقتض اقوى ، بل لعدم الوصول - المنوط به صيرورته باعثا وداعيا - وان لم يكن هناك حكم على خلافه ، وان جعل الحكم على خلافه لا يدور مدار اقوائية مقتضيه ، بل وان كان مقتضيه اضعف من مقتضى الحكم الواقعي.

وحيث عرفت ان الحكم الواقعي المجعول هو الانشاء بداعي جعل الداعي ، وان صيرورته مصداقا للبعث حقيقة منوطة عقلا بالوصول - لا شرعا - وانه لا مقتضى اخر غير المقتضى الواقعي ، لبلوغه مرتبة البعث ، فلو فرض هناك حكم اخر عن مقتض اخر على خلاف المقتضى الواقعي وكان مقتضى الحكم الظاهري غالبا على مقتضى الحكم الواقعي - والغلبة اية التنافي - فلا محالة يسقط الحكم الواقعي بسقوط مقتضيه عن التأثير ، فيلزمه التصويب في الواقع. فاما لا كسر ولا انكسار واما يلزم التصويب. فالالتزام بالكسر والانكسار وعدم التصويب مبني على ذلك المبنى الذي هو غير مرضيّ عنده قدس سره.

والتحقيق ان فرض التزاحم بين المقتضيين - ليلزم ارتفاع الحكم الواقعي من البين - هو بنفسه غير معقول ، فلا تصويب حتى على القول بموضوعية الأمارات والإجزاء التام.

بيانه ان المصالح المقتضية لجعل الاحكام الواقعية تتصور على وجوه اربعة :

احدها : ان تكون المصلحة المقتضية للانشاء بداعي جعل الداعي متقيدة بعدم الجهل بمقتضاها أو بعدم قيام امارة على خلاف مقتضاها ، ففي صورة الجهل أو قيام الامارة على الخلاف لا مصحلة اصلا ، فلا حكم اصلا حتى على حد ثبوت المقتضى بثبوت مقتضيه ، حيث لا ثبوت لمقتضيه ، وما بالعرض يتوقف على ما بالذات.

وهذا من اوضح افراد التصويب فان محذوره محذور تخصيص الحكم بالعالم. فان مرجع تقيد مقتضاها بالعلم تقيد المقتضي بالعلم بنفسه ، ويندرج في

۴۳۰۱