من المرجحات لأحدى الحجتين على الأخرى ، بل لتمييز الحجة عن اللاحجة (١) ، يكون التخيير مطلقا غير مقيد بأعمال المرجحات. لكنه سيأتي - إن شاء الله تعالى - ما فيه.

وأما حمل صدره - لأطلاقه - على عدم كون الجائي بالخبر ثقة ، فيخرج عن مورد الترجيح ، بخلاف ذيله ، لتقيده بكون الجائي بالخبرين ثقة ، وفي هذا المورد لم يعمل الترجيح ، فبعيد ؛ إذ مثله لا يؤخذ به مع عدم الاختلاف ، وظاهره أن الاختلاف هو الموجب لتحير السائل في الأخذ به ، فيعلم منه وجود المقتضي للعمل به.

إلا أنه يقرّب هذا الحمل ما في بعض الروايات قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ، ومنهم من لانثق به‌ ؟ قال عليه السلام : إذا ورد عليكم حديث ، فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلّى الله عليه وآله ، والا فالذي جاءكم به أولى به. (٢)

وعليه ، فمنشأ تحير السائل ليس كونهما حجتين بالذات ، بل حيث أنه منسوب إليهم عليهم السّلام ، له أن يرده مطلقا أو يجب عليه رعاية الواقع بالتوقف والاحتياط ؟ فتدبر.

وأما عن الثانية (٣) فموردها التمكن من لقاء الإمام - القائم بالأمر في كل عصر - وصورة ترقب لقائه عليه السّلام ، كما في أيام الحضور ، لا زمان الغيبة. والرخصة في التخيير في مدة قليلة لا تلازم رخصته فيه أبدا.

وأما عن الثالثة (٤) والرابعة (٥) فبأن موردهما المستحبات المبني أمرها على التخفيف والسهولة ، فلا يستلزم التخيير في الإلزاميات.

وأما عن الخامسة فمضافا إلى أن مورد التخيير فيها ، الأمر غير الالزامي والنهي التنزيهي ، حيث قال عليه السلام : وأما ما كان في السنة نهي إعافة وكراهة ثم كان الخبر الأخير خلافه ، فذلك رخصة فيما عافه رسول الله صلى الله عليه وآله أو كرهه ولم يحرمه ، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا وبأيهما شئت وسعك الاختيار... الخ (٦) .

يمكن أن يقال : إن التخيير فيه ليس من باب التخيير بين الخبرين ، بل لبيان لازم الكراهة ، وهي الرخصة في فعل المكروه ، لا الاباحة الخاصة ، كما يظهر من صدر الرواية

__________________

(١) الكفاية ٣٩٥ : ٢.

(٢) الوسائل ٧٨ : ١٨ : باب ٩ من أبواب صفات القاضي : حديث ١١.

(٣) الوسائل ٨٧ : ١٨ : باب ٩ من أبواب صفات القاضي : حديث ٤١.

(٤و٥) الوسائل ٨٨ : ١٨ و٨٧ : باب ٩ من أبواب صفات القاضي : حديث ٤٤ و٣٩.

(٦) قد تقدم مصدرها.

۴۳۰۱