إيصالا للحكم الواقعي بعنوان آخر - سنخ معنى لا يتعلق بالمردد ؛ بداهة أن الواقع - الذي له تعين واقعا - هو الذي يتنجز بالخبر ، وهو الذي يصل به بعنوان آخر ، فكيف يعقل أن يكون المنجز هو المردد والمبهم ؟ أو الواصل هو المردد والمبهم ؟ .
وثالثا : إن الأثر المترقب من الحجية - بأي معنى من المعنيين - هو لزوم الحركة على طبق ما أدت إليه الحجة ، والحركة نحو المبهم والمردد واللامتعين غير معقولة.
فحجية أحد الخبرين بلا عنوان - بلحاظ كونها صفة من الصفات ، وبلحاظ نفس معنى الحجية ، وبلحاظ الأثر المترقب منها - غير معقولة.
ومما ذكرنا تعرف الجواب عن البرهان ، فان اقتضاء أمر محال محال.
وأما حجية أحدهما المعين - وهو الخبر الموافق للواقع - فالوجه فيها : إن كلاّ من الخبرين ، وإن كان حجة ذاتية ، بمقتضى مقام الاثبات ، ومرحلة الثبوت ، إلا أن الحجة الفعلية - الموجبة لتنجز الواقع ، والموصلة إليه بعنوان آخر - شأن الخبر الموافق ، المعلوم ثبوته إجمالا ، فتندرج المسألة في اشتباه الحجة بغير الحجة.
والجواب : إن مورد البحث ليس في فرض العلم الاجمالي بالحكم الواقعي في أحد الخبرين ، والا لتنجز بالعلم ، وإن قطع بعدم حجية الخبرين ، كما أنه ليس في صورة العلم الاجمالي بوجود الحجة ، كما إذا علم إجمالا بحجية الخبر ، أو الشهرة ، حيث أن الحكم الطريقي يتنجز بالعلم الاجمالي ، كالحكم الحقيقي ، وذلك لأن تمامية المقتضي - ثبوتا وإثباتا - مفروضة ، فكلاهما حجة ذاتية بالعلم التفصيلي ، لا الاجمالي.
بل مورد البحث : ما إذا كان هناك خبران يعلم بعدم صدور أحدهما ، من دون فرض العلم الاجمالي بالحكم الواقعي ، لاحتمال كذبهما معا واقعا ، وحينئذ يتمحض الكلام في أن موافقة أحد الخبرين للواقع - واقعا - يوجب تعين الموافق الواقعي للحجية الفعلية ، بصرف مقتضي إلاثبات والثبوت إلى الموافق الواقعي ، لمجرد موافقته واقعا ، أم لا ؟
وحيث أن التنجز ، ووصول الواقع بعنوان آخر يتقوم في مرحلة الفعلية بالوصول ، لا بمجرد وجود المنجز والموصل واقعا - وإلا لكفى نفس وجود الحكم الواقعي للتنجز - فلا محالة ، لا يجدي الموافقة الواقعية للتنجز الفعلي ، والوصول الفعلي ؛ واحتمال الموافقة موجود - في كلا الخبرين - لا يختص به أحدهما.
وأما حجية كليهما معا ، فالوجه فيها : إن مقتضى الاثبات - في كل منهما - تام ؛ إذ لو كان مقيدا بعدم المعارض ، كان كلا الخبرين خارجا عن العام ، لابتلاء كل منهما