فتدبر.
(٤٠) قوله قدس سره : هو أن الوضع كالتكليف في أنه مجعول تشريعا... الخ (١)
تحقيق الحال يقتضي تمهيد مقدمة ، هي : إن الموجودات الخارجية على قسمين :
أحدهما - ماله صورة ومطابق في العين ، ويعبر عنه بالموجود بوجود ما بحذائه ، كالجواهر وجملة من الاعراض.
ثانيهما - ما لم يكن كذلك ، بل كان من حيثيات ماله مطابق في العين ، ويعبر عنه بالموجود بوجود منشأ انتزاعه ، ومنه مقولة الاضافة.
ويقابلهما الاعتبارات الذهنية من الكلية والجزئية ، والنوعية والجنسية ، والفصلية ، فان معروضها أمور ذهنية لا عينية ، ولكن لا بنحو القضية المشروطة ، بل بنحو القضية الحينية.
وإلا فالماهية - بما هي - موجودة بوجود ذهني ليس لها صدق على شيء ، حتى تكون مقسما لتلك الاعتبارات.
ولا إشكال في القسم الأول ، إنما الاشكال في القسم الثاني ، نظرا إلى أن الوجود الواحد لا يعقل أن يكون وجودا بالذات لمقولتين ، فان المقولات بذواتها متبائنات ، فكيف يعقل أن يكون الواحد وجودا بالذات لمنشأ الانتزاع ، الذي هو من مقولة الجوهر مثلا ، ووجودا بالذات للأمر المنتزع الذي هو من مقولة الاضافة ؟ ؟
كما أن مقولة الاضافة حيث أنها تختلف بالقياس إلى شيء ، دون شيء ، فلا يعقل أن يكون لها وجود خارجي بالذات ؛ إذ الوجود عين التعين ، فلابد من أن يكون حده الوجودي محفوظا ، فلا يعقل اختلافه بالقياس.
مع أن السقف بالاضافة إلى ما دونه فوق ، وبالاضافة إلى ما فوقه تحت ، ولو كانت الفوقية والتحتية موجودتان بالذات ، ولم تكونا متقومتين بالاعتبار لكان السقف فوقا وتحتا معا ، مع قطع النظر عن كل شيء.
فلذا يتخيل أن مقولة الاضافة اعتبارية محضة ، كسائر الاعتبارات الذهنية ، مع أنها معدودة من المقولات ، وهي ما يقال ويصدق على شيء خارجا ، مع وضوح أن السماء فوقنا والأرض تحتنا في العين لا في الذهن.
فالمحاكمة بين الطرفين يقتضي الجمع بين الأمرين ، بأن يقال : لمقولة الاضافة نحوان
__________________
(١) الكفاية : ٣٠٢ : ٢.