القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى ، وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا (١) .
فحكم عليه السّلام بالتخيير مع أن الثانية أخص من الأولى ، فينبغي حمل العام على الخاص.
ومنها : مكاتبة عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السّلام : ( اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليه السّلام في ركعتي الفجر في السفر ، فروى بعضهم أن صلّها في المحمل ، وروي بعضهم لا تصلّها إلاّ على وجه الأرض فاعلمني كيف تصنع أنت لاقتدي بك في ذلك ، فوقع عليه السّلام : موسع عليك بأيّه عملت ) (٢) .
فحكم عليه السّلام بالتخيير مع أنهما من النص والظاهر ، لظهور الثانية في حرمة الصلاة على غير وجه الأرض ، ونصوصية الأولى في الجواز ، فيحمل الظاهر على النص ، ويحكم بالجواز مع الكراهية ، ولو بمعنى أنه ترك الأفضل ، فيعلم من الجميع أن العلاج بالترجيح ، أو التخيير لا يختص بغير النص والظاهر وشبههما.
قلت : أما الرواية الأولى ، فلا دلالة لها على كون المورد من قبيل النص والظاهر ، بل ظاهرها أن مورد أحد الخبرين حقيقة الأمر ، والآخر حقيقة النهي ، وهما متباينان ، لا أن مورد أحدهما صيغة ( إفعل ) والآخر صيغة ( لا تفعل ) ليكونا من النص والظاهر.
مع أن الظاهر أن قوله عليه السلام ( فهو في سعة حتى يلقاه ) ليس حكما بالتخيير بين الخبرين ، بل هي التوسعة التي يحكم بها العقل مع عدم الحجة على شيء من الطرفين ، لقوله عليه السلام ( يرجئه حتى يلقي من يخبره ) فقد أمر بالتوقف وعدم التعبد بأحدهما لا معينا ولا مخيرا ، فهذه الرواية موافقة للأصل ، وهو التساقط مع تعارض الحجتين ، فيؤكد ما عليه الطريقة العرفية من التساقط عند تعارض الحجتين.
وأما الثانية فقد أجيب عنها بوجوه :
أحدها : ما أفاده الشيخ الاعظم (قدس سره) في رسالة البراءة : من أن الحديث الأول المتضمن للعموم ، لعله نقل بالمعنى ، وكان لفظه بحيث لا تكون من موارد حمل العام على الخاص ؛ إذ القابل للحمل ما إذا كان الفرد الخارج مشمولا للعام بنحو العموم اللفظي ، لا بنحو التصريح به وبسائر الأفراد بعينها ، فانه من موارد التعارض حقيقة ، لا
__________________
(١) الاحتجاج للطبرسي ج ٤٨٣ : ٢ : توقيعات الناحية المقدسة ، والوسائل ٨٧ : ١٨ : حديث ٣٩.
(٢) الوسائل ٨٨ : ١٨ : حديث ٤٤.