للتجريد التام بحيث تدخل في الكليات المجردة القائمة بالقوة العاقلة التي لا شبهة في تجردها عن المادة ، لكن الاذهان المتعارفة تنتقل من الاحساس بالجزئيات المحسوسة الى صورها الجزئية في الخيال أو الى المضاف الى جزئي في الوهم ، فهي مجردة عن المادة فقط ، لا عن الصور والخصوصيات الحافّة بالجزئيات المحسوسة.
ومجرد قابليتها للتجريد التام لا يجعلها مجردة بحيث تناسب القوة العاقلة حتى تكون باقية ببقاء القوة العاقلة ، بل باقية ببقاء قوتي الخيال والوهم فلا بد من اثبات تجرد القوّتين وبقائهما حتى يجدي في بقاء مدركاتهما.
وثانيهما ان آراء المجتهد وان فرضت كلية قابلة للقيام بالعاقلة ، الا انها غالبا منبعثة عن مدارك جزئية من اية خاصة ، أو رواية مخصوصة لا قيام لهما الا بغير العاقلة ، وتلك الاراء لا تكون حجة الاّ اذا كانت مستندة الى تلك المدارك بقاء ، كما كانت حدوثا.
فكما أن قيامها بالمجتهد مع زوال مداركها بالمرة يخرجها عن الحجية حال حياته ، كذلك اذا زالت مداركها بزوال القوة المدركة لها بعد وفاته ، لان المفروض عدم تجرد ما عدا القوة العاقلة ، فلا مناص عن الالتزام بتجرد قوتي الخيال والوهم المدركتين للصور الجزئية والمعاني الجزئية تجردا برزخيا. وهو وإن كان خلاف المعروف في فنه إلاّ انه مما اقتضاه البرهان كما شيّد اركانه بعض الاركان (١) .
ثم إنه بناء على تجرد القوة المدركة ينبغي التفصيل بين ما اذا كانت الحجة على المجتهد ومقلده ظنونه وادراكاته المتعلقة بالحكم الواقعي ، وما اذا كانت الحجة قطعه بالحكم الظاهري المماثل للحكم الواقعي.
فانه على الثاني منتف قطعا ، لالفناء القوة المدركة بفناء البدن ، بل لانكشاف الواقع نفيا واثباتا. فلا جهل بالواقع ، فلا قطع بالحكم المماثل ، بخلاف الاول فانه محتمل البقاء فيستصحب وترتب عليه جواز تقليده.
وانكشاف الواقع حينئذ غير ضائر ، لأنّ انقلاب الظن الى القطع خروج من حدّ الضعف الى الشدة ، وفي مثله الموضوع باق بذاته - لا بحدّه - فلا يمنع عن الاستصحاب.
__________________
(١) راجع الاسفار الاربعة ٤٧٥ : ٣ ، و٢٩٩ : ٨.