وإن كانت فعلية الحكم بمعنى وصوله إلى درجة البعث والزجر ، كما هو مسلك شيخنا الاستاذ (قدس سره) في تعليقته الأنيقة (١) ، فالامارة الموافقة - بناء على طريقيتها - مزاحمة للأمارة المخالفة ؛ لأن الموافقة مقتضية لايصالها درجة الفعلية بهذا المعنى ، والأمارة المخالفة مانعة عنها ، لا أنه لا تزاحم بينهما ، وإنه لا شأن للامارة الموافقة ، وإن الحكم الفعلي على طبق الامارة المخالفة - كما قيل - فتدبر.
[١٣] قوله قدس سره : فانه حينئذ لا يزاحم الآخر ضرورة... الخ (٢)
لا يخفى عليك : إن الحكم باستحباب شيء ، تارة من حيث وجود المقتضي لأصل الرجحان ، وحيث لا اقتضاء لحد وجودي منه ، ويكفي في الندبية عدم تفصله بفصل الوجوب ، فلذا يحكم عليه بالاستحباب.
وأخرى - من حيث وجود المقتضي ، لحد خاص من الرجحان ملزوم لحد عدمي ، وهو عدم مرتبة الفوق ، فالندبية لاقتضاء ذلك الحد الوجودي الملزوم لحد عدمي - لا لمجرد كون الفصل عدميا - يكفي فيه عدم علة الوجوب.
وثالثة من حيث وجود المقتضي لذلك الحد الوجودي الضعيف ، ووجود المقتضي لعدم مرتبة الفوق ، فالمقتضي يقتضي الوقوف على هذا الحد الوجودي الضعيف.
وحيث أن الصورة الأولى غير معقولة - في مقام الثبوت - لعدم الاهمال في الواقع ، فالمقتضي محدود بحسب الواقع ، والاهمال إنما يتصور في مقام الاثبات فقط فلا محالة ينحصر الأمر بحسب مقام الثبوت في الصورتين الأخيرتين.
وفي الأولى منهما لا تزاحم ؛ لأن اللااقتضاء - بالاضافة إلى مرتبة الفوق - لا يزاحم ماله اقتضاء ثبوتها ، فالحكم على طبق الأمارة على الوجوب ، لأن الامارة على الاستحباب تحدث مصلحة مقتضية لحد ضعيف من الرجحان ، والأمارة على الوجوب تقتضي حدوث مصلحة أخرى مقتضية لمرتبة أخرى زائدة على الأولى ، وحينئذ ، فكما لا تزاحم ثبوتا لا تنافي إثباتا.
وفي الثانية من الصورتين يتزاحم الأمارتان ، لأن إحداهما تقتضي الوقوف على حد مخصوص ، والأخرى تقتضي الترقي ، والبلوغ إلى المرتبة العليا ، لكن كل مقتض اقترن بالمانع لا يؤثر ، فلا تأثير لشيء منهما في الوقوف على الحد المذكور ، ولا في عدمه. وأما
__________________
(١) التعليقة الأولى على مبحث الظن : ص ٣٦.
(٢) الكفاية ٣٨٧ : ٢.