ومن البين - أيضا - أن الدليل المتكفل لجعل الاستمرار ، إنما هو بنحو القضية الحقيقية ، التي موضوعها الحكم ، ومحمولها الاستمرار ، والمحمول مرتب على ثبوت موضوعه ، لا أنه متكفل لثبوته ، لاستحالة تكفل الأمر المتأخر عن ثبوت شيء لثبوت ذلك الشيء مع أن ثبوته متفرع على ثبوته.

وعليه - فلا يمكن التمسك باطلاق دليل الحكم ، حيث لا يعقل إطلاقه ، ولا يمكن التمسك بدليل الاستمرار ، لأن ثبوت موضوعه مشكوك على الفرض ، للشك في التخصيص بعد خروج الحكم في أحد الازمنة. هذا ملخص مرامه.

أقول : أما عدم تكفل دليل الحكم لاستمراره ، فتوضيح الجواب عنه :

إن الاستمرار - تارة - مساوق للبقاء ، الذي هو فرع وحدة الوجود ، المتحد مع الايجاد بالذات ، فلا يعقل أن يكون مجعولا بجعل آخر ؛ لأن تعدد الجعل يقتضي تعدد المجعول ، والتعدد مناف للبقاء ؛ إذ لا تعدد إلاّ بفرض تخلل العدم ، ومعه يكون الموجود الثاني حادثا آخر ، لابقاء للحادث الأول. وحديث تأخر الاستمرار عن ذات المستمر - في الاستمرار بمعنى البقاء - لا يضر شيئا ؛ لأن البقاء والحدوث عنوانان لموجود واحد ، باعتبار سبقه بالعدم ، وعدم عروض العدم عليه ، فكما أن تأخر عنوان الحدوث لا يستدعي جعلا آخر ، بل يستحيل اقتضاؤه له ، كذلك تأخر عنوان البقاء.

وهذا المعنى لا تفاوت فيه بين الموجودات التكوينية والموجودات التشريعية ، والجاعل كما يجعل ملكية موقتة ، كذلك يجعل ملكية لا موقتة ، بل مرسلة بجعل واحد ، وكذا الزوجية الموقتة ، والزوجية الدائمة ، فكذا اعتبار الايجاب والتحريم ، فينشئ وجوبا موقتا تارة ووجوبا مرسلا ممتدا أخرى.

واحتياج الممكن إلى العلة - في بقائه كاحتياجه إليها في حدوثه - لا يقتضي تعدد الجعل ، بل يقتضي بقاء الجعل ببقاء علته المتقوم بوجودها وجود المعلول.

وأخرى - يكون الاستمرار بلحاظ الكون النسبي ، الذي هو من مقولة ( متى ) وهي من الاعراض القائمة بموضوعاتها ، فليس تأخرها عن الحكم تأخر العنوان عن المعنون ، بل تأخر العرض عن موضوعه ، إلا أن تأخر العرض عن موضوعه تأخر بالطبع لا تأخر عن الموضوع بالزمان.

بل لا يعقل أن يكون تأخر الكون النسبي الزماني بالزمان ، وإلا لم يكن له - في زمان - ذلك الكون النسبي.

ومن البين - أيضا - إن الأمر المتقدر بالزمان يستحيل أن ينفرد كونه النسبي

۴۳۰۱