وأما في البسائط - كاليقين واليمين والعهد والعقد - فلابد من تنزيلها منزلة المركب ، ولا محالة يكون بلحاظ بعض لوازم المركب الموصوف بالابرام ، فيدور الأمر بين أن يكون إبرام اليقين بلحاظ وثاقته واتقانه وإحكامه ، وكل أمر مبرم محكم ، أو بلحاظ ارتباط بعض اجزاء المبرم ببعض ، ولليقين واليمين ارتباط بمتعلقهما ، وكذا العهد والعقد.

فعلى الأول يكون نسبة النقض إلى الشك في قوله عليه السلام ( ولكن ينقض الشك باليقين ) (١) لمجرد الجناس اللفظي (٢) ، إذ لا وثاقة له حتى ينتقض.

وعلى الثاني يكون نسبة النقض إليه بالحقيقة ، لارتباط الشك بالمشكوك على حد ارتباط اليقين بالمتيقن ، ولعله بهذه العناية يضاف إلى العدم ويقال : إن الوجود ناقض العدم ، وإن السلب والايجاب نقيضان ، فكأن الماهية مربوطة ومقرونة بالعدم ، والا فلا وثاقة للعدم.

لا يقال : اليقين والشك ، والوجود والعدم ، وإن كانا في حد ذاتهما كذلك ، بمعنى أن الوثاقة مما يوصف بها اليقين ، دون الشك ، والوجود دون العدم ، لكنه ربما يحتف بهما خصوصية ، يوصف الشك بالاتقان ، واليقين بعدمه أو يوصف العدم بالاحكام ، والوجود بعدمه.

فاليقين - مثلا - لضعف مقتضيه ، وزواله بأدنى شبهة - يوصف بعدم كونه وثيقا ، والشك - لاستقراره بحيث لا يزول - بكونه محكما مبرما ، وكذا الوجود - لضعفه - يوصف بأنه كالعدم غير مبرم ، والعدم - لتوقف الامكان الاستعدادي فيه على معدات كثيرة تقرب المعدوم إلى الوجود - يوصف بأنه مبرم محكم.

لأنا نقول : على فرض تسليمه لا يجدي ؛ إذ الوجود - مطلقا - ناقض العدم. والشك - مطلقا - ينتقض باليقين ، فيعلم منه : أن مصحح إسناد النقض إليهما ليس ما لا ثبوت له إلا أحيانا.

ولا يخفى عليك أن اليقين - حيث أنه حالة جزمية - وإن كان وثيقا محكما ، والشك

__________________

(١) في الصحيحة الثالثة لزرارة « الوسائل ١٠ : ٥ من ابواب الخلل : ص ٣٢١ ح ٣ » .

(٢) الجناس بين اللفظين - وهو تشابههما في اللفظ دون المعنى - على قسمين : تام وناقص. والتام منه هو إن يتفقا في انواع الحروف واعدادها وهيئتها وترتيبها. فان كانا من نوع واحد - كفعلين مثلا - يسمى مماثلا.

وأما فيما نحن فيه فالجناس يكون بين النقض المستند الى اليقين والنقض المستند الى الشك ، وهو من القسم التام المماثل ، حيث انهما متحدان لفظا ومفترقان معنى ، اذ الأول نقض ما فيه الوثاقة ، والثاني نقض ما لا وثاقة فيه ، فلا يكون نسبة النقض اليه حقيقة.

۴۳۰۱