الموجبة لجعلها منجزة للواقع عند الإصابة ، ومعذرة عنه عند الخطاء.
ومن البين : إن جعل كلتا الأمارتين منجزة للواقع - مع وحدة الواقع تعيينا - غير معقول ، لكن جعل كل منهما منجزة للواقع تخييرا ، فهو معقول.
والمراد من المنجزية والمعذرية التخييريتين أن كل واحدة من الأمارتين منجزة للواقع على تقدير الاصابة ، وعلى تقدير عدم موافقة الأخرى ، وإن كل واحدة منهما معذرة - على تقدير الخطأ - بموافقتها ، أو موافقة عدلها ، فتتضيق دائرة المنجزية في كل منهما ، وتتسع دائرة المعذرية في كل منهما.
بخلاف الأمارة الواحدة ، فانها منجزة للواقع عند الاصابة - سواء أتي بشيء آخر أم لا ، ومعذرة عند الخطأ بخصوص موافقتها دون شيء آخر.
فكما أن الايجاب التخييري إيجاب مشوب بجواز الترك إلى بدل ، لا بجواز الترك مطلقا ، حتى تنافي حقيقة الايجاب ، ولا الايجاب المحض حتي ينافي التخييرية ، كذلك المنجزية مشوبة بجواز ترك موافقة الأمارة الموافقة واقعا ، بموافقة عدلها ، وكذلك المعذرية ، كما تحصل بموافقتها ، كذلك بموافقة عدلها. وحينئذ لا عقاب على الواقع عند إصابة أحدهما إلاّ بترك موافقتهما معا ، كما أنه يعذر عن مخالفة الموافق بموافقة المخالف - زيادة على العذر - عند خطأ ما وافقه.
[١٩] قوله قدس سره : هو الاقتصار على الراجح منهما للقطع بحجيته... الخ (١)
بعد ما عرفت (٢) أن المنجزية التخييرية متقومة بعدم موافقة العدل المعذر نقول :
إن المعذرية الواقعية ليست ملاكا للعذر ، بل المعذرية الواصلة. كما أن المنجزية كذلك. ومن المعلوم أن الراجح علم كونه منجزا ، إما تعيينا أو تخييرا ، والمرجوح لم يعلم كونه معذرا ، فلا تكون موافقته معذرة بالفعل ، فيجوز الاقتصار على موافقة الراجح عقلا ؛ لأنه معذر قطعا ، سواء وافق الواقع أم لا. ولا يجوز الاقتصار على موافقة المرجوح ؛ لإنه لم يعلم كونه معذرا عن مخالفة الراجح المعلوم منجزيته على أي تقدير ؛ فان منجزيته التخييرية ، وإن لم يوجب العقاب على مخالفته عند مصادفته ، إلاّ أنه على تقدير موافقة المعذر ، وحيث لم يصل معذرية المرجوح ، فهو غير معذر ، فلا دافع لعقاب مخالفة الراجح عند مصادفته.
__________________
(١) الكفاية ٣٨٩ : ٢.
(٢) في التعليقة السابقة.