وربما يتوهم : إن ذلك بمنزلة النص ، إذ بعد فرض صدوره لا يتخير العرف في حمل الأول على عذرة الانسان ، وحمل الثاني على عذرة المأكول.

وفيه : إن النصوصية والأظهرية من أوصاف الدلالة ، ولفظ العذرة لا يتفاوت حاله - بما له من المعنى - بحسب وقوعه موضوعا لحكمين متباينين في دليلين - والعرف لا يتخير في الأخذ بالمتيقن ، لا في القصر على المتيقن ، وذلك بعد الأخذ بمقتضى أحد الدليلين معينا ، لا أنه متيقن بقول مطلق ، وإلاّ لزم الحكم بتا بحرمة بيع عذرة الانسان ، وجواز بيع عذرة المأكول ، كما هو مقتضى تقديم نصوصية كل من الدليلين على ظهور الآخر.

ومنها : ما إذا كان لكل من الدليلين أقرب المجازات ، فانه يقال : بأن فرض صدورهما بمنزلة القرينة الصارفة عن ظهورهما ، والأقربية إلى المعنى الحقيقي عرفا بمنزلة القرينة المعينة ، فيراهما العرف قالبين عرفا لمعنيين مجازيين متلائمين ، بعد رفع اليد عن ظهورهما الوضعي ، فلا تحير للعرف حتى يندرج الدليلان تحت المتعارضين.

والجواب : إن التعبد بالمتنافيين غير معقول ، فلابد من فرض المدلولين متلائمين عرفا ، حتى يكون التعبد بصدورهما تعبدا بالمتلائمين. والمفروض إن المدلولين بنفسهما متنافيان ، وإنما يتلائمان بعد فرض التعبد بصدورهما - الصارف لظهورهما - فما لم يكونا متلائمين لا تعبد بصدورهما ، وما لم يتعبد بصدورهما لا يكونان متلائمين.

ولا مجال لقياس التعبد بصدورهما بالقطع بصدورهما - في كونه قرينة صارفة عن ظهورهما - وذلك لأن القطع بصدور كلامين ظاهرين فيما يتنافيان معقول ، فيكون قرينة على عدم إرادة ما يكون الكلام ظاهرا فيه ، بخلاف التعبد بكلامين متنافيين ظاهرا فان التعبد ليس إلاّ بجعل الحكم المماثل ، وجعل حكمين متنافيين - على طبق الظاهرين المتنافيين - غير معقول ، فلا يعقل التعبد إلاّ بالمعنيين المجازيين المتلائمين ، مع أنه لو لا القرينة الصارفة - المنحصرة في التعبد بالصدور - لا يعقل التعبد بهما ، كما لا يخفى.

ومنها : ما إذا لم يكن لكل من الدليلين إلاّ مجاز بعيد أو مجازات متساوية النسبة إلى المعنى الحقيقي. فربما يتوهم أيضا : إن مقتضى القطع بالصدور أو التعبد به - بضميمة صون الكلام عن اللغوية - حملهما على المجاز البعيد أو على أحد المجازات.

وفيه : إنه في فرض القطع بالصدور كذلك ، إلاّ أنه لا دخل له بالجمع العرفي المستند إلى اقتضاء المداليل الكلامية ، بل ذلك لاقتضاء القرينة العقلية ، كما ربما يتفق في دليل واحد يتكفل ما هو خلاف البرهان. وأما في فرض التعبد بالصدور ، فقد مرّ الاشكال

۴۳۰۱