وأما الفعلية البعثية والزجرية ، فهي متقيدة عقلا بوصول الانشاء بداعي جعل الداعي ، لا بعدم وصول خلافه ، حتى يكون تأثير المقتضي منوطا بعدم قيام الأمارة المخالفة. فتدبر جيدا.
وثانيا : بأن الالتزام بسببية الأمارة ، تارة بملاحظة تفويت مصلحة الواقع ، بنصب الأمارة التي قد تؤدي إلى خلاف الواقع. وأخرى بملاحظة أن ظاهر الأمر بعنوان ، كونه عنوانا ، لا معرفا لشيء آخر هو المأمور به لبّا ، فيكشف عن اقتضائه للأمر به بنفسه.
فان كان الالتزام بالسببية للوجه الاول ، فلازمه الاقتصار على سببية الأمارة المخالفة المفوتة لمصلحة الواقع.
إلا أن هذا المبنى يقتضي مسانخة مصلحة المؤدى ، مع مصلحة الواقع ، حتى تتدارك بها ، فلا معنى لتقيد مصلحة الواقع - في تأثيرها - بعدم قيام الأمارة ، فانه مبني على تنافي المصلحتين ، بل أقوائية مصلحة الأمارة ، لتقيد تأثير مصلحة الواقع بعدم تأثيرها.
وبالجملة : الغلبة علامة التنافي في التأثير ، والتدارك آية الموافقة والمسانخة.
وأما الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ، فهو لازم على أي حال ، ولا يتوقف الجمع بينهما على التقيد الراجع إلى عدم الجمع.
وإن كان الالتزام بها للوجه الثاني ، فمقتضاه سببية الأمارة مطلقا ، لتساوي عنوان التصديق والتطبيق الذي فيه المصلحة ، بالنسبة إلى العمل بالأمارة الموافقة ، والعمل بالامارة المخالفة ، ولا يمكن حمل الانشاء الواحد على إرادة تنجيز الواقع - بجعل العنوان معرفا - وعلى جعل الحكم المماثل جدا - بقصد العنوانية..
وبعبارة أخرى : عنوان التصديق :
إما لوحظ معرفا لفعل صلاة الجمعة ، التي أخبر العادل بوجوبها ، فيكون المراد بايجابه تنجيزه ، أو جعل الحكم المماثل بعنوان إيصال الواقع.
وإما لوحظ عنوانا محضا ، وموضوعا بنفسه للحكم. والجمع بين المعرفية والعنوانية - في إطلاق واحد بالاضافة إلى الأمارة الموافقة ، والامارة المخالفة - غير معقول فدليل الاعتبار ، إما يكون متكفلا للطريقية مطلقا ، أو للموضوعية مطلقا.
وثالثا : إن الفعلية المتقيدة بعدم قيام الأمارة على الخلاف ، إن كانت فعلية الحكم من قبل المولى ، المساوقة لأصل ثبوت الحكم الواقعي ، فالامارة الموافقة - التي شأنها تنجيز التكليف ، وجعله بالغا درجة البعث والزجر - لا تزاحم الامارة المخالفة الرافعة لأصل الحكم.