بالمعارض ، ولو كان مهملا ، لم يكن الدليل شاملا لشيء منهما في حد نفسه. فاللازم فرض الاطلاق - في مقام الاثبات - ليكون كل منهما في حد ذاته قابلا للحجية الذاتية ، ومتمانعين في الحجية الفعلية.

وأما المقتضي في مقام الثبوت ، فهو احتمال الاصابة شخصا ، وغلبة الاصابة نوعا ، وهذه هي المصلحة الطريقية ، لرعاية المصلحة الواقعية الحقيقية. والكذب الواقعي ليس بمانع ، حتى يكون العلم الاجمالي به علما بالمانع ، ليستحيل تأثير كلا المقتضيين.

ولا يقاس بالعلم التفصيلي فانه مزيل لما يتقوم به المقتضي - وهو احتمال الاصابة - لا أنه مانع ، أو أنه علم بالمانع. ومن الواضح : إن احتمال الاصابة - في كل منهما - يجامع العلم الاجمالي بعدم إصابة أحدهما ، فانه ينافي احتمال إصابتهما معا لا أنه ينافي احتمال الاصابة في كل منهما ، ومقتضى الحجية - في كل حجة - احتمال إصابة نفسها ، لا احتمال إصابتها منضما إلى إصابة غيرها.

وهذه غاية ما يمكن أن يقال في وجه حجية كلا الخبرين ، كما كان يحتمله شيخنا العلامة - رفع الله مقامه - في بحثه.

والجواب : إن الأمر في وجود المقتضي - ثبوتا واثباتا - وعدم المانع كما أفيد. إلا أن سنخ المقتضي لا يقبل التعدد ؛ لأن تنجز الواقع الواحد - على تقدير الاصابة - لا يعقل فعليته في كليهما ، والمفروض أن الواقع - على تقدير ثبوته - في ضمن أحدهما ، فهذا الأمر التقديري غير قابل للفعلية إلا في أحدهما ، وإلا فالأمر التعليقي محفوظ ، حتى مع العلم بكذبه تفصيلا ، لصدق الشرطية مع كذب طرفيها. فلابد من كون الواقع قابلا للتنجز في كليهما ، مع أنه واحد لا يتنجز إلا في ضمن أحدهما.

وإن شئت قلت : إن المقتضي لأصل جعل الحجة هي المصلحة الواقعية ، وهي واحدة على الفرض ، وكون المجعول حجة مما يحتمل فيه الاصابة شخصا ، ومما يصيب نوعا ، بمنزلة الشرط لتأثير ذلك المقتضي الوحداني لجعل الخبر من بين سائر الأمارات حجة ، وتعدد الشرط لا يجدي في تعدد المقتضي ، مع وحدة مقتضيه.

مضافا إلى بداهة فساده فيما إذا كان أحد الخبرين متضمنا للوجوب ، والآخر لعدمه ، أو أحدهما متكفلا للوجوب والآخر للحرمة ، فان تنجز الواقع مع العذر عنه في الأول لا يجتمعان ، وتنجز الحكمين المتضادين في الثاني لا يجتمعان.

وحيث عرفت عدم صحة حجية أحدهما بلا عنوان ، وعدم صحة حجية أحدهما المعين ، وعدم صحة حجية كليهما ، تعرف أن سقوط كليهما عن الحجية الفعلية هو المتعين

۴۳۰۱