الحكم من حيث أنه أوحى به الى نبيهم صلى الله عليه واله لا من حيث أنه اوحى به الى موسى عليه السلام.
وعليه فجميع أحكام هذه الشريعة المقدسة أحكام حادثة ، وهي إما مماثلة لما في الشرائع السابقة ، أو مضادة أو مناقضة ، فالشك دائما يؤل إلى حدوث حكم مماثل أو غير مماثل ، لا إلى بقاء ما في الشريعة السابقة وعدمه ليجري الاستصحاب.
وعليه فيصح دعوى أن هذه الشريعة ناسخة لجميع الأحكام الثابتة في الشرائع السابقة ، وأن أمد تلك الاحكام قد انتهى ببعثة نبينا صلى الله عليه وآله ، وإن كان في شريعته بعض الأحكام المماثلة لما في الشرائع السابقة ، والتعبير بعدم نسخ بعضها بلحاظ بقاء الحكم الكلي المنتزع من المتماثلين ، لا بلحاظ شخص الحكم الموحى به الى النبي السابق.
وأما تحقيق المبنى - من حيث كون الحكم ذا مقام خاص بنفسه ، مع قطع النظر عن مقام الوحي - فدقيق ، كما ربما تلهج به الألسن ، من أن الحكم الكذائي ثابت في اللوح المحفوظ ، فالوحي مسبوق بجعله ، واتباع نبينا صلى الله عليه وآله - حينئذ - ليس لما أوحي به الى النبي السابق ، بل من حيث أنه ثابت في اللوح المحفوظ - بما هو حكمه تعالى - والوحي به إلى نبينا صلى الله عليه وآله ، كالوحي به إلى سائر الأنبياء ، ولا تابعية لنبي بالاضافة إلى نبي آخر في هذا الحكم الوحداني.
وليس الوحي به إلا تبليغه ، لا جعله وإثباته ، لكن حيث أن اللوح المحفوظ عند أهله عالم النفس الكلية الموجودة فيها صور ما في عالم العقل الكلي - بنحو الفرق والتفصيل - فليس وجود كل ما فيها إلا بوجود النفس الكلية ، لا بوجود ذلك الشيء الخاص به في نظام الوجود. فالحكم بحقيقة الحكمية ، وبوجوده الخاص به غير موجود في ذلك المقام الشامخ ، ولا في شيء من المبادي العالية فضلا عن مبدء المبادي ، وإن كان علمه تعالى بل علوم المبادي علوما فعلية ، ولها المبدئية لذلك الحكم ، ولغيره. وبقية الكلام في محله فراجع. (١)
وأما الارادة التشريعية في المبدأ الأعلى ، أو في المبادي العالية ، فلو كانت ، لكان إنشاء الحكم مسبوقا بها ، فيعقل انبعاث الانشاءات المتعددة في مقامات الوحي عن تلك الارادة الواحدة.
__________________
(١) ج ١ : التعليقة ١٥١.