فان أريد الأول ، فالارادة من الكيفيات القابلة للحركة ، والخروج من حد إلى حد ، فهي إرادة واحدة بوحدة اتصالية ، وإن كان ينتزع الشدة منها تارة ، والضعف أخرى.
وان أريد الثاني فالبعث والزجر أمران اعتباريان ، ولا حركة ، ولا اشتداد فيهما ، بل في بعض المقولات ، كما لا اتصال بين الانشائين حتى يكون البعث - اللزومي وغيره - واحدا بالتبع.
فالأول واحد عقلا وعرفا. والثاني متعدد عقلا وعرفا ، والكلام في الثاني ، فان الحكم المجعول من الشارع وما يكون مماثله مجعولا على طبقه هو الحكم بالمعنى الثاني ، دون الأول ، وان كان مدار الاطاعة والعصيان على المعنى الأعم.
وعليه فاستصحاب الارادة - من حيث نفسها - غير صحيح ؛ لعدم كونها مجعولة ، والحكم الشرعي المنبعث عنها أثر شرعي ، لكنه غير مترتب على الارادة شرعا.
بل ترتبه عليها من باب ترتب المعلول على علته ، كترتبه على المصلحة المنبعث عنها ، نعم لو فرض أن الارادة ترتب عليها حكم شرعي - من باب ترتب الحكم على موضوعه - كان استصحاب بقاء ذات الارادة - للتعبد بأثرها الشرعي - معقولا.
ولا يخفى عليك أن المستصحب - في ماله امتداد ، واشتداد - نفس الكلي المنطبق على المرتبة الشديدة والضعيفة ، وليس من استصحاب الفرد. بتوهم أن الوحدة مساوقة للتشخص ؛ لما مرّ منا سابقا (١) :
إن المستصحب دائما هو الوجود - في الوجوديات - والوجود عين التشخص ، إلا أن الملاك في الكلية والفردية إضافة الوجود إلى الطبيعي محضا ، أو الطبيعي المتعين - بتعين فردي - يمنع عن صدقه على كثيرين.
وفي ماله الحركة والاشتداد في كل آن فرد من الطبيعة ، والتبدل بلحاظ الأفراد ، لا بلحاظ التشخص الوجودي ، غاية الأمر أنه في الحركة في الجوهر في مراتب استكمالاته يتبادل الصور النوعية من المنوية والدموية والعلقية وغيرها.
وفي الحركة في الكيف مثلا ، يتبادل المراتب ، والمفروض - هنا - بقاء ذات الارادة لا بمرتبتها القوية ، فلا يشك إلا في بقاء الكلي الذي ليس له تعين المرتبة القوية المتيقنة.
__________________
(١) تقدم في التعليقة : ٦٧ ، وعن صاحب محجة العلماء في انكار استصحاب الكلي « ان الاستصحاب لا يعقل ان يتعلق بالكلي من حيث هو مع قطع النظر عن الخصوصية السابقة » وقال ايضا « ان البقاء هو استمرار الوجود ولا معنى لاستمرار نفس الطبيعة » : ٢٤٦ - ٢٤٧.